لا أحب مصطلح «feminist» أو النسوية رغم أن المصطلح نشأ فى الغرب للعمل من أجل مساواة المرأة بالرجل فى مناحى الحياة السياسية والعملية والأدبية، ومع شعورى بمحاولة إقصائها وتهميش دورها العلمى والأدبى وربط هذا بالدين وخصوصًا الإسلامى - وكل الأديان من هذا براء- فما زلت لا أحبذ هذا المصطلح ولا أتعاطف معه؛ فالمرأة أعظم من قضية تُقَولَب فيها وتظل تدور حولها. ولدينا ثلاثة نماذج للمرأة كافحت فيها من أجل وجودها العلمى والأدبى حتى كتب لها قصب السبق فى تاريخ المرأة المصرية. هي: ملك حفنى ناصف الملقبة بباحثة البادية، ونبوية موسى، ود.سهير القلماوى. وأعتقد أن مقالا واحدا لا يكفى للالتقاء بهن. ديسمبر شهر من شهور خريف مصر الذى تتجدد فيه روح الأرض والأشجار، وقد جاء لنا بشجرة جديدة هى ملك حفنى ناصف التى ولدت فيه عام 1886 ابنة الأستاذ الأديب حفنى بك ناصف أستاذ اللغة العربية، والقاضى بالمحاكم الأهلية، وقد توفيت أيضا فى الخريف أكتوبر 1918عن عمر لا يتجاوز الثانية والثلاثين. لقد كانت خليفة عائشة التيمورية الاسم النسائى الذى دوَّى وقتها فى عالم الأدب وكانت وفاتها عام 1902 فألفت ملك قصيدة رثاء فيها وكانت آنذاك طالبة بقسم المعلمات بالمدرسة السنية وهى أول قصيدة نشرتها لها الجرائد، وبدأ اسمها يتردد فى الأندية الأدبية، فى الوقت الذى كان اسم النساء غير متداول اجتماعيا. وتقول المصادر إن ملك تلقت مبادئ القراءة والكتابة فى مدارس أولية مختلفة، والتحقت بالمدرسة السنية رغبة من والدها. فشجع بصنيعه هذا زملاءه وأصدقاءه على الاقتداء به بإلحاق بناتهم بالتعليم. حصلت ملك على شهادة الابتدائية عام 1900 وكانت أول فتاة مصرية تنال هذه الشهادة، ثم انتقلت إلى القسم العالى بالمدرسة نفسها، فتفوقت على أقرانها، فما كان من وزارة التعليم إلا أن عينتها معلمة ممتازة فأدى هذا إلى انعاش فى الحياة التعليمية؛ إذ أتاح لفتيات الأسر المتوسطة أن يدخلن فى هذا المجال، وقد أدى هذا إلى ارتفاع مستوى النظرة إلى عمل الفتيات فى تلك المهنة. ومع العمل كمدرسة كانت أول مصرية تنشر كتاباتها نثرا وشعرا على صفحات الجرائد وخصوصا الجريدة وكانت توقع باسم باحثة البادية.كما ألقت بعض الخطب فى نادى حزب الأمة.وقد أزهر الخريف وشهر ديسمبر مرة أخرى فى مصر بميلاد نبوية موسى التى ولدت فى 17 ديسمبر 1886. لكن طريق نبوية موسى كان شاقا على عكس ملك حفنى ناصف؛ فقد نشأت يتيمة الأب فلم يمد لها يد العون كملك. كان والدها ضابطا بالجيش المصرى برتبة يوزباشى وقد سافر إلى السودان قبل ميلاد نبوية بشهرين ولم يعد. وقد رفضت والدتها أن تأتى لها بمعلم حساب حتى تجتاز امتحان القبول بالمدرسة. وحين قررت نبوية موسى الالتحاق بالمدرسة السنية لم تجد أى مساندة من عائلتها، وقد اعتبرت أمها هذا خروجا على قواعد الأدب والحياء ومروقا عن الدين والتربية، بل أخذت تقص الحكاية على أقاربها كأنها أحدوثة. من هنا تكتمت نبوية أمر التحاقها بالمدرسة السنية وسرقت ختم والدتها لتوقع به على استمارة التحاقها التى ملأتها بنفسها، ولكى تجبر المدرسة على قبولها جعلت طلب الالتحاق بمصروفات فى حين كان تعليم المرأة بالمجان لعدم إقبال الأسر على تعليم فتياتهن. وكانت أول فتاة مصرية تحصل على شهادة البكالوريا عام 1907. وهى أول معلمة للغة العربية، وأول ناظرة مدرسة مصرية. وقد أنشأت مجلة الفتاة عام 1937 وأخذت تكتب فيها بعض ذكرياتها؛ مما وجهها لكتابة سيرتها الذاتية فى كتابها المهم: تاريخى بقلمى . وللحديث بقية. لمزيد من مقالات شيرين العدوى