تستضيف قاعدة محمد نجيب العسكرية التدريب الأول المشترك بين مصر ودول الساحل والصحراء، وذلك فى اطار الشراكة بين دول التجمع من أجل رفع القدرة العسكرية لتلك الدول، بالاضافة الى نقل الخبرات فى مجال مكافحة الإرهاب الذى يستشرى فى دول المنطقة، خاصة بعد توطن العديد من التنظيمات الإرهابية، وذلك يأتى فى اطار العلاقات المتميزة بين مصر والدول الإفريقية، والدور الريادى الذى تلعبه مصر فى الوقت الحالي. وقد استطاعت مصر أن تحيى التعاون العسكرى بين دول تجمع الساحل والصحراء فى عام 2016 من خلال اجتماع وزراء الدفاع، وخرجت الاجتماعات بالعديد من التوصيات واهمها أن تقوم مصر بإنشاء المقر الخاص بمكافحة الإرهاب، وتم الانتهاء منه، بالاضافة الى تدريب ألف ضابط فى مجال مكافحة الإرهاب، وإنشاء قوة عسكرية موحدة لمكافحة الإرهاب، بالاضافة الى اقامة تدريبات عسكرية مشتركة بين دول التجمع وهو ما يتم الآن فى قاعدة محمد نجيب العسكرية. إن ما حدث هو إنجاز يضاف الى إنجازات الدولة المصرية فى محيطها القاري، وذلك فى اطار الدور المصرى الذى تلعبه لمكافحة الإرهاب فى المنطقة وتجفيف منابع التمويل، وقطع عمليات الدعم اللوجيستى عنه من قبل قوى دولية تسعى الى تهديد استقرار المنطقة عن طريق توطين تلك الجماعات على الاراضى الافريقية التى وجدت بها بيئة ملائمة نتيجة الخلافات الاثنية والحروب الاهلية والصراعات المختلفة، فى الوقت الذى تعتبر فيه القارة الافريقية العمق الاستراتيجى لمصر، وظهيرها القوى على جميع المستويات. ان منطقة الساحل والصحراء قد تعرضت للعديد من التدخلات الاجنبية، خاصة بعد ان تم ترسيم الحدود بينها من قبل الدول المحتلة فهناك دول فرانكوفونية وانجلو فونية ، والليزوفونية، مما اثر بشكل كبير على ثقافات تلك الدول بجانب الصراعات الاثنية التى اشعلت الحروب الاهلية لسنوات طويلة وتسببت فى اضطهاد الاقليات فى أغلب الدول، بجانب التدخلات الاجنبية المستمرة من القوى التى احتلت تلك الدول من قبل بل قامت بإنشاء قواعد عسكرية من اجل حماية مصالحها. كل ما سبق كان له أثره المباشر على وجود مجموعات إرهابية وتنظيمات عابرة للحدود وجدت المناخ الملائم لتنامى اعمالها واقامة معسكراتها من أجل السيطرة والدفع بتلك العناصر الى بعض الدول الاخرى لتنفيذ عمليات ارهابية، ومن اخطر التنظيمات التى توجد بقوة فى دول الساحل والصحراء: بوكو حرام والقاعدة وداعش مؤخرا، بل ان تلك الجماعات تعمل فى تجارة المخدرات، والاستيلاء على ثروات الدول من اجل التمويل، لشراء السلاح والتدريب. لقد تيقنت الدولة المصرية أن هناك خطرا حقيقيا يهدد امنها القومى وامن الدول فى القارة، فكان القرار بعقد الاجتماعات المهمة لوزراء دفاع دول التجمع التى استضافتها مدينة شرم الشيخ فى عام 2016 والخروج منها بتوصيات اهمها تشكيل القوة الإفريقية لمكافحة الإرهاب وتكون القاهرة مقرا لها، وذلك لما تمتلكه مصر من قدرات عالية فى التدريب والتخطيط، وسيكون من مهام تلك القوة التعامل مع التنظيمات الإرهابية التى تعمل فى الدول الافريقية وتهدد الأمن والاستقرار، وذلك بعد ان يتم تشكيل الهيكل التنظيمى لتلك القوة والقيادة والتسليح المطلوب من اجل تنفيذ المهام فى الوقت المناسب. ومن أهم ما توصلت اليه الدول الاعضاء فى التجمع هو عدم السماح للدول الاجنبية بالتدخل فى السياسات الداخلية للدول الافريقية، وهو الامر الخطير الذى يهدد الامن والسلم العام فى تلك الدول، فهدف تلك الدول عدم الاستقرار وخلخلة الجبهة الداخلية حتى تبقى الدول الافريقية تحت رحمة الغرب، وهو ما يؤثر بشكل مباشر على اتخاذ القرار السياسى فى المحافل الدولية لمصلحة الرؤية الغربية دون النظر الى المصلحة الوطنية. وهناك العديد من التهديدات تواجهها افريقيا فهناك محاولات مستميتة لتقسيم ليبيا وتوطين الجماعات الإرهابية بها لمصلحة الغرب لتصبح ليبيا التهديد الاول لدول المنطقة وبخاصة مصر. وبناء على ما سبق نجد الدعم الافريقى للجيش الليبى بقيادة المشير حفتر، من أجل القضاء على الجماعات والتنظيمات الإرهابية واعادة الوضع الى ما كانت عليه ليبيا مسبقا، مع منع الصراعات القبلية ايضا، لأن استقرار ليبيا هو استقرار حقيقى للوضع فى مصر، لذا فانها من اهم النقاط التى تتم مناقشتها بين الدول فى تأمين الحدود والتعاون الاستخباراتى والمعلوماتي. اضافة الى ذلك هناك منطقة استراتيجية ومهمة جدا هى منطقة القرن الإفريقي، وتعتبر من اهم المواقع التى تؤثر بشكل مباشر على الامن القومى المصري، ففى ظل الصراعات المختلفة فى دول القرن الإفريقى وتغلغل التنظيمات الإرهابية بها قد يؤثر بشكل سلبى على الملاحة فى البحر الاحمر وظهور جماعات مسلحة فى مجال القرصنة كما كان يحدث منذ فترة. ان التعاون بين تجمع الساحل والصحراء يبعث بالعديد من الرسائل المهمة ليس فى افريقيا فقط ولكن للعالم اجمع وهي: أولا: مصر عادت بقوة للقيادة والريادة الافريقية بعد السياسات الجديدة والتوجهات التى تضع فى حساباتها أولويات الامن القومى المصرى بدلا من الحسابات الشخصية. ثانيا: إن الدول الافريقية استوعبت جيدا التهديدات والمخاطر التى تواجهها وقررت ان تنفرد بقراراتها بعيدا عن الدول الغربية التى تعمل لمصلحتها الخاصة دون النظر الى المصلحة العليا لتلك الدول. ثالثا: تأكدت الدول الافريقية ان تنامى ظاهرة الإرهاب بسبب البيئة الحاضنة لها من صراعات داخلية واثنية فتحت المجال لتوطين جماعات إرهابية وفتح مراكز للتدريب لتهديد الأمن الاقليمي. رابعا: إن حروب الجيل الرابع باتت الخطر الاكبر على دول المنطقة وهو ما انتبه اليه جميع الدول وان السوشيال ميديا اصبحت تهدد الاستقرار فى العديد من الدول وأصبحت منارة للارهاب والإرهابيين، لذا طالبت الدول بأن يكون هناك تعامل مع تلك المواقع ومراقبتها جيدا بدلا من نشر ما يضر بأمن الوطن. خامسا: توحيد المفاهيم العسكرية فيما يخص التعامل مع الإرهاب واستراتيجية واحدة للقضاء عليه. سادسا: الجيش المصرى بما يمتلكه من قدرات وامكانات سيكون نواة للقوة العسكرية لمكافحة الإرهاب وسيدعم الدول الافريقية الاخري، وهو دليل على قدرة الجيش المصرى على حماية الامن الاقليمي. سابعا: ان جرائم الاتجار بالبشر والهجرة غير المشروعة وتجارة المخدرات جميعها تهدد امن واستقرار دول الساحل والصحراء ومواجهة تلك الظواهر واجب موحد لجميع الدول..ان اجتماعات وزراء دفاع تجمع دول الساحل والصحراء يؤكد ان مصر تقف بكل حزم امام التهديدات التى تواجهها المنطقة وان القوات المسلحة المصرية المحافظة بكل شرف عن الامن القومى المصرى هى قادرة على تنفيذ تلك المهام بمنتهى الاحترافية والحزم . وتأتى التدريبات المشتركة بين مصر ودول تجمع الساحل والصحراء قمة التعاون العسكرى فالتدريبات المشتركة هى ارقى انواع التدريبات العسكرية واكثرها دقة ومهارة وتحتاج لمستوى رفيع من الكفاءة وقدرة عالية على التخطيط والمتابعة والاشراف، وهو ما يجعل التدريبات العسكرية بين الدول لاتتم إلا بموافقة اعلى سلطة للقوات المسلحة ( القائد الاعلى - القيادة العليا) مهما كان حجم القوات المشتركة فى التدريب او نوعيتها لانه من الطبيعى ايضا الحصول على الموافقة السياسية كخطوة اولى - طبقا للنظم السياسية للدول - وعادة ما تتم التدريبات المشتركة بين دولتين أو أكثر يكون بينها توافق سياسى واستراتيجى أو تكون احداها مصدر سلاح للاخرى أو لهما مصدر سلاح مشترك من طرف ثالث قد يشترك فى التدريبات او لا يشترك طبقا لظروفه . الخطوة التالية تكون بين قادة القوات المسلحة فى الدول المشتركة فى التدريب لوضع فكرة التدريب وهى التصور المبدئى للسيناريو المحتمل المطلوب العمل العسكرى المشترك ضده وبالطبع سيكون افتراض لعمل عسكرى اوسياسى او اقتصادى يؤثر بشكل مباشر وخطير على المصالح المشتركة للدول المشتركة فى التدريب او قد يكون هناك تهديد من جهة معينة، او منظمة او دولة للسلام والامن فى منطقة معينة وبناء عليه يتم وضع فكرة وموضوع التدريب واهدافه للتصدى للتهديدات المنتظرة مع تحديد حجم ونوعية القوات المشتركة ومهامها التدريبية. بالطبع هناك نقاط اخرى ومتعددة يتم الاتفاق عليها بين قيادات القوات مثل مكان اجراء التدريب او منطقة التدريب وتحدد بإحداثيات وتوقع على خرائط التدريب المستخدمة بالاضافة الى تحديد مدة التدريب وهل سيتم تحريك قوات خلال مدة التدريب داخل الدول المشتركة اوسيكون هناك تحرك من دولة لاخرى والتمركز بها لفترة محددة. من الأمور المهمة ايضا فى التدريبات العسكرية المشتركة بين بعض الدول أسلوب القيادة وشكلها وطبيعتها ومن اين ستمارس القيادة، هناك أيضا أمور اخرى يجب وضع النقاط فوق الحروف بشأنها مثل الاتصالات وأسلوب التعارف بين القوات، مما يستدعى مهارة عالية من القيادات، وأيضا ثقة متبادلة من الجانبين بانهما على قدر متماثل من المهارة وهناك ايضا تطابق فكرى عسكرى حتى يمكنهما التنسيق بينهما والاتفاق على كل الأمور المتعلقة بالعمل العسكرى المشترك لاتمام المهام التدريبية بنجاح. ان مزايا وفوائد التدريبات العسكرية المشتركة بين الدول وبعضها كثيرة، فهى تسمح للقيادات والقوات بالتعرف على عقائد عسكرية متنوعة والتعرف على مسارح عمليات مختلفة فى طوبغرافيتها مما يكسبنا الخبرة اللازمة لإدارة عمليات قتالية داخل أو خارج أراضينا بمفردنا أو بالتعاون أو بمشاركة دول أخرى.