يأتي العيد,فيكون ظاهره فرحة وباطنة تجسيد من نوع خاص لأحشاء المجتمع;فالكل في الشارع,والكل يقصد الأماكن العامة,فلما يختلط الحابل بالنابل يتجسد واقع المجتمع أمام المتأملين بما يصعب تحقيقه في الأيام العادية; حين يكون الكل منشغلا,تلهيه متطلبات الحياة ولقمة العيش عن الاختلاط( الحر)و(المكثف)مع الناس.. إلا في أيام العيد!! ولأنني من معتنقي مبدأ الاختلاط الحذر بالناس عموما في الأيام العادية,فإن هذا المبدأ يتعاظم ويتعاظم في الأعياد والمواسم;فإذا ذهب الناس أجمعين إلي الإسكندرية,ذهبت أنا إلي أسوان والعكس صحيح!! ولكنني أطللت برأسي المتعب في تجمعات الناس هذا العام مجبرا أخاك لا بطل,فاكتشفت أمرا غريبا هو أقرب إلي أفلام الرعب,ولست مبالغا فيما أقول, فالناس تسير في جماعات شبه مغيبه عن الإدراك,الناس قد تحولت إليأشباه كائنات( الزومبي)!! جثامين حية وما هي بحية,وإنما هي الأقرب إلي القادم من عالم الأموات( الزومبي)Zombie, ذلك الكائن الخرافي الذي أفرزته ثقافة جزر هاييتي بالمحيط الهادي من رحم ديانتها( الفودو)Vodu.. كائنات تسعي في الأرض بوعي مصطنع,هم أقرب إلي النائم مغناطيسيا ينتقل من مكان إلي مكان,ويتفاعل مع المؤثرات من حوله بشكل آلي,ولكنه أسير قوة أكبر منه تسيطر عليه,وهو علي استعداد لأن يفعل أي شيء ما دامت الفكرة( الشريرة غالبا)مسيطرة عليه,فإما أن يحولك إلي زومبي مثله,أو أن يفتك بك!! مجموعات شبابية من الزومبي تهيم في الشوارع بوعي منقوص,يسيطر الجنس عليها بشكل غريب,يتحرشون بأي شيء وكل شيء,علي استعداد تام للإقدام علي أي عمل جنسي مجنون,لا يخشون نظرات الناس إليهم ولا يعبأون بالتقاليد أو الأخلاق أو بحقوق الناس,فعيونهم تفترس النساء من منبت الشعر إلي أخمص القدمين,إلي الدرجة التي أذهلني صديق لي يعمل ضابطا بالشرطة حين حكي لي عن بلاغ غريب تلقاه عن مجموعة من هؤلاء الزومبي الجنسي أحاطوا بفتاة في وضح النهار علي هيئة دائرة ليخفوها عن أعين المارة ثم أنقض أحدهم عليها محاولا ممارسة الجنس معها علانية في قارعة الطريق!! والله إن الحيوان ليأبي أن يفعل ذلك,بل إن من الحيوان ما يستحي الجماع إذا ما رآه حيوان آخر. ظاهرة مجتمعية في منتهي الخطورة تأخذ بناصية هذا البلد إلي أسفل سافلين!! ولن أحدثك هنا عن حالة إحماء جنسي مستمر نستمرئه نحن علي الشاشات ليل نهار معتقدين أن في ذلك قمة التحضر والحرية أسوة بالغرب( المشوه) الذي يتبدي لنا عبر الشاشات,وليس الغرب الحقيقي!! لن أحدثك عن هذا,لأن لساننا قد تدلي من فرط التلميح والتصريح بأن الإحماء الجنسي في الغرب يقابله تفريغ لهذه الشحنات بعلم المجتمع ورضائه الكامل,أما نحن فقد سرنا علي درب الإحماء باتباع أساليب التقليد الأعمي وبأكثر مما ينتهجه الغرب من نماذج إحمائية,ثم نسينا أن مجتمعنا يرفض تفريغ هذه الشحنات إلا بما ترتضيه تقاليد المجتمع المستقاة في الأصل من ديانتيه الإسلامية والمسيحية,ولكننا سرنا علي الدرب,فلا الإحماء يتوقف,ولا المجتمع يسمح بتفريغه,فتحولت الأجيال تلقائيا إلي كائن( الزومبي)المخيف جنسيا الذي يحيط يوميا بمدارس البنات ويخرج عن بكرة أبيه في الأعياد وينذر برواج الفاحشة في وضح النهار!! ثم لن أحدثك عن نعرة ثورية خاطئة تملكت هؤلاء عن سوء فهم تصوروا معها أنهم أحرار في كل شيء وأي شيء,من بعد أن سقط النظام السابق,وتحولت الشوارع تدريجيا إلي أشباه أحراش أو أدغال تجوبها قطعان اللصوص والخارجون علي القانون والمعترضون علي طول الخط,و الفوضويون( والذين إذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا أنما نحن المصلحون)!! لن احدثك عن هذا, ولكنني سأحدثك اليوم عن نموذج آخر يخشاه الناس علي ما يبدو بأكثر مما يخشون( الزومبي),فالناس تتخافت بينها وتتهامس بمخاوف تجاه المتشددين الدينيين;فكلما رأوا شخصا ملتحيا أو إمرأه منقبة اتهموه صمتا بالارتداد عن العصرية,والمدنية,والحرية,وكل ما يخطر علي بالك من المعاني والشعارات التقدمية غير الرجعية!! الناس تتهامس بمخاوف أن يكشر الإخوان المسلمون فجأة عن اتجاه ديني متشدد يفتح الأبواب علي مصاريعها لجماعات تجوب الشوارع ممسكة بالعصي أو ربما الكرابيج,يجبرون الناس علي الصلاة و(ينهون) عن الفحشاء و( المنكر) ويأمرون( بالمعروف)!! وبعيدا عن أن أحدا منا وأنا أول الناس لا يعرف يقينا ما هو مكنون الفكر الذي يبني عليه الإخوان اخوانيتهم,بمعني أننا نسمع طوال الوقت عنهم,ولكننا لم نتمكن من الإبحار في الفلسفة الأيديولوجية التي يعتنقوها,ربما بحكم كونها جماعة عانت منذ أن أنشئت في أجواء سرية,وواجهت حروبا منتظمة شنها عليها نظام تلو نظام تلو نظام, فارتبطت في العقل الجمعي المصري بالانغلاق علي نفسها تحسبا من الفناء,وبعيدا عن أنه قد أصبح لزاما علي هذه الجماعة أن تنفتح علي المجتمع وتؤرخ لنفسها وتشرح للعوام مكنونات أيديولوجياتها حتي يرتاح الناس,وألا تترك الناس متخبطين في دهاليز الشائعات والكتب والمقالات المدسوسة التي ادعي كاتبوها علمهم ببواطن الأمور بغير دليل,بعيدا عن كل ذلك دعني أسألك سؤالا قد يبدو للوهلة الأولي شديد التصادم مع مخاوفك: أي جماعات أفضل في رأيك تأمل في أن تسيطر علي الشارع من اندفاعات ورعونة هذا الجيل المخيف من كائنات( الزومبي): هل تراها جماعات( الزومبي)ذاتها التي ستحول حياتنا إلي مجلدات في الدعارة,والمخدرات,والخمور,والادمان ثم الجرائم,أم تراها الجماعات التي ستدعو للقيم والأخلاق( حتي وإن تشددت في البداية) ؟ تري هل الجماعات الحرة المتحررة المنفلتة هي الأفضل من وجهة نظرنا في الاستحواذ علي الشارع؟ أم تراها الجماعات التي تحمل عكس اتجاه( الزومبي) تماما ؟ أعتقد أن الإجابة معروفة مسبقا لو أن لك أختا,أو زوجة,أو أنك تعول ابنة,أما وأن تكون مجرد( ذكر) يهيم علي وجهه في البلاد بدون احساس بالمسئولية أو بخطورة ما وصلنا إليه,إذن فأنت( زومبي)!! المزيد من أعمدة أشرف عبد المنعم