كامل الكيلاني، رائد أدب الأطفال في العالم العربي، الذي أوقف ثقافته وقلمه من أجل الطفل، وبناء خياله وعالمه وفكره وسلوكه، بطريقه تمثل جسرًا آمِنًا ينطلق فيه من واقعه إلى تراثه، ومن ماضيه إلى مستقبله..واليوم ونحن نحتفي بأدب الطفل، كانت فرصة طيبة للتعريف بهذا الأديب العظيم. ولد «كامل الكيلاني إبراهيم كيلاني» بحي «القلعة» العريق عام 1897، أهَّلته الأجواء التي نشأ فيها لأن ينهل من مختلف ألوان الأدب؛ حيث تربى على حفظ الأغاني والقصص الشعبية، وتعلم فنون الخط العربي، وتلاوة وتجويد القرآن الكريم في سن مبكرة، وتعرف علي الثقافة اليونانية بفضل المربية اليونانية التي صقلت وجدانه بعشرات الأساطير، التي امتزجت بعد ذلك بقراءته التراث الشعبي المصري، كما حفظ المئات من قصائد الشعر لعظماء الشعراء العرب. وكلما كان الكيلاني يتبحر في المعرفة والأدب، كان عشقه يزداد لدخول عالم الأطفال، ولإيمانه بأن الأطفال هم ثروة الحاضر وعُدَّةُ المستقبل في أي مجتمع يخطط لبناء إنسان سَوِي، وجَّه قلمه وأدبه للأطفال، ليصدر أول أعماله «السندباد البحرى» عام 1927، ويبدأ في إنشاء حلم مكتبة الطفل مستخدما اللغة العربية الفصحى. ربما كان سبب إصراره على الكتابة للأطفال باللغة العربية الفصحى، كلمات المندوب السامي البريطاني اللورد كرومر حين قال: «إذا أردتم أن تسيطروا على تلك البلاد، فعليكم بالقضاء على اللغة العربية في أهلها». كان لكيلاني خط أدبي متميز من أهم معالمه: الحرص على الجانب الأخلاقي في كتابته للأطفال، واستخدام مصادر قصصه من الأساطير والأدب العالمي والأدب الشعبي، فنشر الكثير من التراث، مثل: ديوان ابن الرومي ورسالة الغفران للمعري، وكان يكتب بعض الأبيات الشعرية التي كان يقدم بها قصصه، أو ينهيها بها بهدف تغذية عقل الطفل بالصفات الحميدة، وتهذيب سلوكه بصورة غير مباشرة. وكان أول من خاطب الأطفال عبر أثير الإذاعة، فكانت مؤلفاته هي المادة الأساسية لركن الأطفال والمسلسلات الإذاعية، وأول مؤسس لمكتبة الأطفال في مصر، حيث كتب أكثر من 250 قصة للأطفال، كما كان له الفضل أيضاً في ترجمة عدد كبير من قصص الأدب العالمي التي تربى عليها منذ الصغر، مثل: «روبنسون كروزو» و«جاليفر في بلاد الأقزام» وغيرها من المؤلفات التي تداعب الخيال. وعلي الجانب الآخر تُرجمت قصصه للعديد من اللغات مثل الصينية والروسية والإسبانية والإنجليزية والفرنسية، كما خصصت المكتبة الوطنية الفرنسية جزءا في موقعها لشرح أعماله وتاريخه ودوره البارز في أدب الطفل. كرَّمته الدولة بمنحه عدد من شهادات التقدير التي كان دائم الاعتزاز بها، وذكرها على الصفحات الأولى لقصصه، كما أطلق «المجلس الأعلى للفنون والآداب» جائزة باسمه مخصصة لأدب الأطفال. رحل «كامل الكيلانى» عن عالمنا في التاسع من أكتوبر عام 1959، بعد أن أمضي أكثر من ثلث عمره يكتب للأطفال مؤلِّفًا ومترجِمًا ومقتبِسًا ومقوِّمًا، تاركا تراثاً قصصياً متنوعا لكل العصور، يشكل وجدان وخيال كل طفل عربى.