يوميا وعلى مدى ساعات طويلة، يتنقل الناس مابين منازلهم وأماكن عملهم بالسيارة، أو بالحافلة، أو بالقطار، أو حتى مشيا، دون أن يدركوا حجم المخاطر الصحية والنفسية التى يسببونها لأنفسهم خلال تلك الرحلات اليومية ذهابا وإيابا. وفقا للأطباء وعلماء النفس فإنه أيا كانت وسيلة التنقل فإن المكوث لساعة أو أكثر يوميا فى زحام الطرق خطر على الصحة. يقول هانس تساخر، أستاذ علم النفس الوظيفى بجامعة لايبسيج بألمانيا: «إذا زادت فترة تنقلك من أو إلى العمل عن 45 دقيقة فقد يكون لها تأثير حاسم على صحتك على المدى الطويل». استطلع الباحث تجارب المتنقلين فى ألمانيا، فى الوقت الذى تتزايد فيه أعدادهم بصورة مستمرة هناك، إذ يوجد الآن 18.4 مليون متنقل، أى 60% من تعداد العاملين، ثلثا هذا العدد يستخدمون السيارة، أما الباقى فيستخدمون القطار، أو الحافلة، أو الدراجة. تختلف ظروف التنقل فى ألمانيا عنها فى القاهرة، فالشوارع هناك أقل ضوضاء وازدحاما من مثيلاتها فى القاهرة، كما أن وسائل المواصلات العامة أقل اكتظاظا. على الرغم من هذا، تؤكد د. هبة العيسوي، أستاذ الطب النفسى بطب عين شمس، أن المتنقلين هنا وهناك قد يعانون, يختلف الأمر بصورة عامة إذا تنقل أحدهم بالسيارة الخاصة عنه فى حالة استخدام وسائل المواصلات العامة، فسائقو السيارات يتعرضون للتوتر، ويجب أن يحتفظوا بتركيزهم. يستطيع المتنقلون بالقطار أن يقرأوا، أو يغفوا، أو يبدأوا فى العمل على حواسبهم المحمولة. يتعرض المتنقلون لمتاعب جسدية، ووفقا للدكتورة .همت علام، أستاذ طب الألم بالمركز القومى للبحوث فإن أبرز المتاعب الصحية بسبب التنقل هى الإرهاق العام وضعف التركيز وزيادة الوزن إضافة إلى الصداع والإجهاد العضلى وآلام الظهر. «يعانى 20% من المتنقلين بألمانيا مشكلات صحية شديدة، وقد يتعرضون لارتفاع ضغط الدم وزيادة نبضات القلب والتى تؤدى على المدى البعيد لأمراض مزمنة بالقلب والأوعية الدموية والجهاز الهضمي، وفى نهاية الأمر يشعرون بعدم الرضا عن وظائفهم أو حياتهم الخاصة». على الرغم من هذا، لا ينبغى لحياة التنقل أن تؤول فى النهاية إلى آلام مزمنة. وفقا لهانس تساخر فإن: «معظم المتنقلين يحولون الأمر إلى روتين يومي، فيتقبلون حياة التنقل، حتى يثمنوا ذلك الوقت الذى يقضونه مع أنفسهم». إذن ماذا تفعل إذا ثقل عليك التنقل وشعرت بالمعاناة ؟ أولا، إذا كنت تستطيع تغيير وسيلة التنقل، افعل هذا، وتحول إلى شخص أكثر نشاطا - تنقل بالدراجة أو مشيا على الأقدام. كما يوصى الإخصائيون النفسيون الألمان فى حالة عدم قدرتك على الاستغناء عن السيارة أن تعطى الأمر بعض التفكير والتأمل، وتحمى نفسك من التعرض للضغط والتوتر. تحدث مع صاحب العمل إذا كان يمكنك أن تتمتع بأوقات عمل مرنة، وبالتالى تستطيع أن تبدأ عملك فى وقت متأخر وتتجنب ساعات الذروة، فهذا يقلل من التوتر وخطر الحوادث.. تحث د. هبة العيسوي، الطبيبة النفسية، السائقين على عدم استخدام المسار نفسه كل يوم، ويستطيع السائقون أن يفعلوا هذا أيضا ويخطروا ركابهم بخصوص سلوك مسار مختلف تجنبا لحركة المرور الكثيفة. وأخيرا، تأمل فى ذاتك: كيف تتجاوب مع مواقف معينة فى أثناء تنقلك - ماذا لو كانت الحافلة مكتظة أو حركة السير كثيفة؟ من المهم أن تحدد هذه المواقف وتدرب نفسك على أن تبقى هادئا. توضح د.هبة العيسوى أهمية التحكم فى الغضب: «استخدم تمرينات التنفس: استنشق الهواء بعمق وببطء، وأنت تقوم بالعد.عند قيامك بهذا، تزداد كمية الأكسجين المتدفقة إلى المخ، وسيجعلك هذا أكثر هدوءا». كما يوصى الأطباء النفسيون أيضا أن تعد نفسك للقيام بأنشطة مفيدة تستطيع القيام بها فى أثناء التنقل. علاوة على ذلك فإن الضغط والتوتر الذى يتعرض له المتنقلون سوف يقل إذا تم تحسين البنية التحتية، فلابد للمواصلات العامة أن تستوعب أعدادا أكبر من الركاب. وكخطوة تالية، ستصبح حياة المتنقلين أكثر سهولة إذا استطاعوا أن يقوموا بالعمل من المنزل، إذا أمكن هذا. فابتعادك عن زحام الطرق يقلل من التوتر والضغوط اليومية. بفضل الإنترنت فإن موظفى المكاتب يستطيعون أن يقوموا بأعمالهم من المنزل. فى مصر تبحث د.وفاء نديم الأستاذ المساعد بقسم العمارة بالجامعة الألمانية بالقاهرة عن حلول عملية متكاملة عند طريق مزج السكن بالعمل، وبالتالى الحد من الاحتياج إلى التنقل. وتعتمد وفاء نديم على مبدأ المبنى المفتوح أو ما يعرف ب Ope Building وهو مبدأ ظهر فى أواخر ستينيات القرن الماضى يقدم حلولا تكنولوجية للنظام الإنشائى الذى يتيح مرونة التصميم والتنفيذ بحيث يسمح بدمج الأنشطة السكنية وغير السكنية بشكل عملي. وبالتالى يوفر فرص عمل قريبة من السكن من ناحية ويقنن عملية الدمج من ناحية أخرى للحفاظ على النواحى الجمالية والبيئية والاقتصادية للأحياء السكنية. وهى حاليا تعمل على تقديم توصيات بخصوص الكيفية التى يتم بها إعادة تشكيل المنازل فى مصر. د.كارين شلت محررة علمية بمجلة «بيلد دير فيسنشافت» الألمانية وهذا الموضوع ينشر فى إطار برنامج لتبادل الصحفيين العلميين والممول ممن قبل معهد جوته ووزارة الخارجية الألمانية