هناك سؤال لا توجد عنه اجابة بسيطة بنعم أو لا، ذلك أن الكثير بشأنه يعتمد على السياق. فليس من الممكن حتى تقسيم ديانات العالم الكبرى الى فئات محكمة الحدود كديانات داعمة للديمقراطية واخرى محايدة، وثالثة تضعف آثارها الديمقراطية، اذ تشتمل جميع الديانات على مجموعة من النزعات المتنافسة. فتاريخيا نلاحظ ان بعض الديانات كانت تؤيد الحق الالهى للملوك وتؤيد فى الوقت نفسه المذهب القائم على المساواة. ونجد فى وقت واحد فى اطار دين واحد جماعات ذات نفوذ تعمل على دعم نظام حكم مستبد، بينما تخاطر جماعات اخرى بحياتها لحماية معارضى هذا النظام او لفضح انتهاكاته لحقوق الانسان. ولعل كلمات الرئيس والتى اعتقد ويعتقد الكثير انها ذات دلالة عميقة وتؤطر لمفهوم علمى للدولة العصرية (المدنية) والتى قالها خلال منتدى شرم الشيخ الاخير/ تعد اكثر المفردات ايقاعا ووضوحا اذ قال ان الدولة لا تميز بين المصريين مسلمين او مسيحيين وان من حق كل مواطن أن يعبد او لا يعبد مايشاء.. لأن الاعتقاد حرية شخصية، وهو ما جعل الدولة تبنى فى كل مجتمع جديد دور عبادة لكل الطوائف والديانات. ولعل أحد اهم الاشكاليات التى يواجهها الباحثون فى جدلية العلاقة بين الدين والدولة فى ظل تحولات ديمقراطية، هى: هل الدين يساعد الديمقراطية ام يعوقها؟ وهل يمكن اخضاع الدين للقانون؟ وهل تتفاعل الثقافة مع دين أى مجتمع بالايجاب؟ تنظر السلطات الدينية الى الدولة على انها الهيئة المقدسة المنوط بها الوفاء بمهمة دينية على الارض، وهو ماحاولت جماعة الاخوان المسلمين فى اثناء توليهم السلطة (يونيو 2011 الى يونيو 2012) ان ترسخه من محاولات هيمنة الايديولوجيا الدينية (مكتب الإرشاد) على مؤسسات الدولة المدنية، حتى بما فيها مؤسسة الازهر (الجامع والجامعة). التسامح لا يعنى التخلى عن معتقداتنا .. وانما يعنى منح الناس الكرامة الانسانية الاساسية يقررون لانفسهم ويشاركون فى صياغة احلام الوطن. والسؤال لماذا مناقشة هذه القضية.. لقد تبين وبدا واضحا ان من الضرورى اعادة مناقشة القضايا الاجتماعية والفكرية لا سيما فى ظل تحديات كبرى تواجه المنطقة بكاملها. ومصر على وجه الخصوص فصار ملحا التعرض لهذه الاسئلة القديمة الجديدة، وليس محاولة لانكار ما تمت مناقشته من قبل فى هذه القضايا، ولكن للعمل على تغيير الواقع والانطلاق على آفاق جديدة لتحقيق الطموحات المتعددة والمتنوعة للجموع المصرية.. وتشير التجارب الى ان التعصب هو اعتقاد باطل بان الانسان يحتكر لنفسه الحقيقة، فهناك التعصب العنصرى والتعصب القومى والتعصب الدينى وكل هؤلاء يشتركون فى سمة واحدة وهى الانحياز الى موقف الجماعة التى ينتمون اليها دون تفكير واغلاق ابواب العقل ونوافذه اغلاقا محكما حتى لا تنفذ اليه نسمة من الحرية.. ويجتمع التعصب مع المحتوى الاجتماعى ليجعل من الانسان عدوا لذاته كادحا بالساعد، فى حين تمتلئ رأسه بافكار مستغليه من اصحاب الخطابات الماضوية، (مشاهد متعددة طوال الفترة منذ انتخابات نوفمبر 2011 حتى ثورة 30 يونيو من حرق للكنائس وقتل البهائيين وغير ذلك من انواع العنف ضد الاقليات حتى ابناء الدين الواحد الذين لا ينتمون للجماعة الحاكمة (الاخوان المسلمين على سبيل المثال). الثقافة السياسية المعاصرة اكدت ان سيادة القانون هى المبدأ البسيط القاضى بان يعمل الجميع فى اطاره على اساس السلطات المخولة لكل افراد الامة والمحددة قانونا... ويمكن ارجاع هذا المبدأ الى الفكرة الكلاسيكية بان خير أمة هى التى تقوم على سيادة القانون لا سيادة الاشخاص.. ويمكن ببساطة اعتبار سيادة القانون حجر الزاوية للحرية الفردية وللديمقراطية على السواء.. فاذا كانت احدى الطرق لفهم الواقع الاجتماعى المصرى تتمثل فى النظرة للثقافة السائدة التى تحاول تشكيل اجماع وطنى والسيطرة عليه، فان موضوعا مساويا لذلك من الاهمية هو موضوع مصر كمجتمع تعددى متنوع. وفى ظل الحديث عما يطلق عليه تجديد الخطاب الدينى او الدعوى وهو ما أشار اليه الرئيس من اهمية حدوث «ثورة دينية» للخطاب الدينى سواء الرسمى او غير ذلك خاصة بعد ما شهدته المنطقة من توغل وتفش للقوى الظلامية التى تفسر الدين من خلال بعض المفسرين القدامى، والتى تحث على العنف والاقصاء وبث روح الفرقة والعداء ليس فقط بين اصحاب الديانات المختلفة، وانما بين معتنقى الدين الواحد. فهنا لابد من تضافر كل المؤسسات لصياغة مشروع تنويرى حداثى تستطيع الأمة من خلاله النهوض على جميع الاصعدة. وللحديث بقية.. لمزيد من مقالات صبرى سعيد