أكد علماء الدين حاجة الأمة اللازمة لتفعيل دعوة الرئيس عبد الفتاح السيسى لتجديد الخطاب الديني، لنشر الوسطية وحماية الشباب من الفكر المتطرف الذى تروج له الجماعات المتشددة لهدم الوطن. وقال العلماء إنه على الرغم من أن قطار التجديد انطلق بالمؤسسات الدينية فإن تحديات الواقع تتطلب المزيد، فضلا عن وجود معوقات تحول دون إدراك أثر ذلك على أرض الواقع، أخطرها: أبواق التطرف والعقول المتحجرة التى تحول دون تفعيل تلك الدعوة، مما يستلزم خطة منهجية محددة لتحقيق التجديد المنشود. فى البداية يلفت الدكتور عبد الفتاح العوارى عميد كلية أصول الدين بالقاهرة إلى أن الأزهر الشريف قطع شوطا كبيرا فى قضية تجديد الخطاب الديني من خلال محاربة الفكر المتطرف بإرسال القوافل الدعوية التى طافت أغلب محافظات مصر، فضلا عن القوافل الخارجية، إلي إطلاق مرصد الأزهر الذى أنشئ لمحاربة الفكر التكفيرى بأكثر من لغة. كما أن المؤسسات الدينية أحدثت ثورة تجديدية على مستوى الأفكار والمفاهيم فى مواجهة التشدد والغلو، مما أحدث انعكاسا فى باكورة التجديد، فهناك رفض قاطع للإرهاب وإجماع شعبى على وجوب إنهاء ومحاصرة هذا الفكر المتشدد..ورغم ذلك لابد أن نعترف بأن الآمال المطلوبة أكثر مما تحقق وأنجز بالفعل، لأن التحديات التى تواجهها مصر كبيرة وقوية. وأشار العوارى إلى أن تجديد الخطاب الدينى ليس المقصود به تغيير معالم الدين أو التطاول على رموزه وثوابته، وإنما هى دعوة إلى أصحاب العقول خاصة الدعاة لمراجعة أنفسهم فى مدى فهمهم لكتاب الله تعالى وتمسكهم بشرع الله وترتيب الأولويات، وهذه المراجعة تعنى فهم النصوص الشرعية وتطبيقها على أرض الواقع، وهذا يأتى من خلال فهم الإسلام فهماً صحيحاً ومعالجة النصوص الشرعية معالجةً دقيقة. وأكد الدكتور محمود مهنى عضو كبار العلماء أن الشريعة الإسلامية تتميز بالثبات والمرونة وإصلاحها لأحوال الناس فى كل زمان ومكان وسعتها لاستيعاب التغيرات وقبولها لمختلف الآراء الاجتهادية التى تستند إلى أدلة شرعية، واعتبار الاختلاف الفقهى تنوعاً يلبى حاجات البشر، مع إبراز الصورة المشرقة للصحابة الكرام باعتبارهم الجيل الذى طبق الإسلام عملياً من خلال المصطفى صلى الله عليه وسلم واتباع الهدى النبوى فى الدعوة والإرشاد. وأشار مهنى إلى أن أبرز المعوقات التى تواجه قضية تجديد الخطاب الدينى بعض المنتسبين إلي الإسلام الذين نصبوا أنفسهم أولياء على الإسلام والمسلمين مثل بعض الجماعات والحركات المتطرفة الذين أساءوا للإسلام بعدم فهمهم للقرآن والسنة وتأويل الأحاديث والآيات على حسب فهمهم الخاطئ. وقال الدكتور مصطفى مراد أستاذ الأديان والمذاهب بجامعة الأزهر، إن تجديد الخطاب الدينى واجب حتمى على كل الدعاة بما يتلاءم مع العصر من حيث تبسيط الدين وشرحه بصورة واضحة وصحيحة وبيان صحيح الدين ومحاربة الإسرائيليات وتوضيح الناسخ والمنسوخ من خلال الفهم الصحيح للإسلام مع مراعاة التدرج فى التشريع الذى انتشر به الإسلام. لكن التجديد لا ينبغى أن يقتصر على المؤسسات الدينية وحدها، بل يجب على كل المؤسسات التعاون مع المؤسسات الدينية فى مواجهة هذا الفكر الضال الذي تروج له بعض التيارات التكفيرية التى تريد هدم الأمة والنيل من ثوابت دينها. كما يجب على الإعلام حظر ظهور الدعاة الذين لا يحسنون فهم الدين أو الحديث عنه، والذين يمثل ظهورهم شتاتا وحيرة للمشاهد، وتشكيكا فى أمر الدين، لاسيما إذا كانوا ينتسبون لإحدى المؤسسات الدينية. وطالب مراد القائمين على التجديد الخطاب بالانتشار فى النوادى ومراكز الشباب، بالإضافة إلى تأهيل متخصصين على إلمام بكل الوسائل الحديثة من مواقع التواصل الاجتماعى والشبكة المعلوماتية، لنشر الأفكار الوسطية عبرها، وتفنيد الشبه التى تروج عبر تلك المنصات الإلكترونية. خطة مدروسة وأوضح الدكتور جمال فاروق عميد كلية الدعوة أن تجديد الخطاب الديني يجب أن يكون بوعى وحسن طرح القضايا العقدية بما يحقق إيجابية الاعتقاد. وطالب القائمين على عملية التجديد بوضع خطة مدروسة ومنظمة للتجديد، وقال: نحتاج لمنهجية محددة للعمل فى إطار التجديد، بدلا من أن نذكر أنفسنا بذلك فى كل مناسبة. ويرى أن من أهم المعوقات التى تواجه تجديد الخطاب الدينى العقول الجامدة المتحجرة التى مر عليها فى مسيرة الدعوة عشرات السنين ولا تتفاعل مع التجديد بل قد لا تؤمن به، فهى ذاتها بحاجة إلى التجديد حتى تستطيع أن تقوم بالتجديد، والمؤسسات الدينية لا تخلو من نماذج لتلك العقول الجامدة. هذا بالإضافة إلى عدم أهلية الكثيرين من المدعوين للتجديد للقيام بهذا العمل، بالإضافة إلى سيطرة التيار المتشدد المتطرف إعلاميا فى السنوات السابقة على التيار الوسطى المعتدل، حيث يتخذون من بعض الوسائل الإعلامية والمنصات الإلكترونية منابر لهم لنشر أفكارهم المتشددة. وقال الدكتور أحمد كريمة أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، إن التجديد الدينى دعوة نبوية مباركة، فالنبى صلى الله عليه وسلم أسس للاجتهاد والتجديد فى الدين، ورفض احتكار فهم الدين لفئة أو طائفة من الناس، ولفت الأمة إلى ذلك سلفا، فقال «يبعث الله على رأس كل مائة عام من يجدد لهذه الأمة أمر دينها». وأوضح كريمة أن تجديد الخطاب الدينى لابد أن يكون بأيدى الفقهاء له وفق موازين نورانية من معين القرآن والسنة النبوية. وحتى يؤتى الأمر ثماره ينبغى أن تكون للتجديد آلية واضحة وتوصيف محكم، وسقف زمنى محدد، وأن يسند الأمر إلى أكفاء بمنهجية قوله تعالى «الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله وكفى بالله حسيبا».