بمناسبة مرور مائة وخمسين عاما على افتتاح قناة السويس، خصص المؤتمر الدولى لقسم اللغة الفرنسية فعاليته حول «قناة السويس: رؤى أدبية وثقافية» وحقق نجاحا أكاديميا وعلميا بفضل التنسيق الجيد بين مقررتى المؤتمر د.رندة صبرى بجامعة القاهرة ود.سارجا موسى بجامعة السوربون ومشاركة كوكبة من الأساتذة والباحثين، حيث تناول الحديث الأبعاد الفنية والأدبية والايديولوجية لأسطورة القناة التى غيرت جغرافيا العالم. ففى يوم 30 نوفمبر 1854 حصل فرديناند ديليسبس على موافقة الخديوى سعيد وفى 1855 قام بتأسيس الشركة العالمية للقناة. يشرح الكاتب والأديب روبير سوليه أن القناة لم تنتظر افتتاحها عام 1869 لتتدفق الآراء والثناء، حيث برهنت الأحداث الأهمية الاستراتيجية لهذا المجرى المائي. ويؤكد سوليه ان نابليون بونابرت هو أول من درس خلال غزو مصر فكرة حفر قناة حديثة وان أول دراسة قام بها مهندس فرنسى اسمه «جان مارى ليبير» وانبهر بها ديليسبس عندما شغل منصب نائب القنصل الفرنسى عام 1832 إلى أن وصل بروسبير انفونتين تلميذ سان سيمون إلى مصر وبدا له وادى النيل المكان المثالى لتلاقى الشرق مع الغرب وتولى اميل بارو تلميذه الفكرة من بعده بهدف تدعيم وتلاحم حضارتى مصر وفرنسا. وجاء رفض محمد على صارما لعدم تعقيد العلاقات مع الباب الأعلي.. إلى أن قام ديليسبس بالضغط على سعيد باشا وبدأ أول أعمال الحفر عام 1859 بعد تعبئة آلاف من الفلاحين.. ويشرح سوليه المعوقات التى طرأت عندما أعلن الخديو إسماعيل لديليسبس «ليس هناك أحد يناصر القناة مثلى وانما اريد أن تكون القناة لمصر.. وليس مصر للقناة!». ويشرح سوليه التاريخ الطويل للقناة حتى يوم افتتاحها فى 17 نوفمبر 1869 ولتصبح بريطانيا فى عام 1875 أكبر مالك أسهم فى الشركة بعد بيع الخديو إسماعيل 176 ألف سهم بقيمة مائة مليون فرانك بإيعاذ من رئيس وزراء بريطانيا «دزرائيلى» بسبب المديونية المصرية مما اثار غضب باريس! وبرغم ان قناة السويس كانت تستهدف تطوير العلاقات الدولية إلا انها تحولت إلى رهان استراتيجى جوهرى خلال الحربين العالميتين وأدت إلى حرب عام حيث أخطأت فرنسا عندما أرادت أن تستعيد بالقوة شركة قناة السويس عقب تأميم عبدالناصر لها.. وكانت فى جميع الأحوال سوف تعود إلى مصر عام 1968 وفقا لنهاية عقد ايجار امتد على مدى 99 عاما.. ويقول سوليه انه عقب وقف اطلاق النار فان مصر قد انتصرت ودفعت فرنسا ثمن مبادرتها الكارثية لتضحى برأسمالها الثقافى الممتد على قرن بأكمله.. ويعيد الكاتب الفرنسى الذى ولد فى مصر إلى الاذهان فقدان مصر سيناء خلال حرب 1967 واغلاق قناة السويس واستلزام حرب أخرى لتفتح القناة ملاحتها من جديد عام 1975 أمام السفن الغربية ولنشاهد بعد أربعين سنة فى يوم 6 أغسطس 2015 الاحتفال بقناة السويس الجديدة بعد توسيع وتعميق ممر المياه على امتداد 37 كيلومترا ومضاعفة مساحتها على 35 كيلو مترا أخرى وليعلن السيسى «انها هدية من مصر إلى العالم!» وليكون فرنسوا هولاند ضيف الشرف لتطوى فرنسا الذكريات السيئة. وهكذا انتهت أعمال القناة فى عام واحد بدلا من ثلاثة أعوام وهو رقم قياسى تفرضه ملحمة القناة.. جميع مداخلات مؤتمر جامعة القاهرة لم تقف عند أهمية القناة فى وصل البحر الأحمر بالأبيض وانما تناولت أسطورة كفاح طويل من أجل الحرية والتحرر وأبرزت الابعاد الزمنية المرتبطة بتاريخ مصر فى القرن العشرين: التأميم والعدوان الثلاثى وحرب 1967 و1973.. إن المؤتمر الدولى حول قناة السويس قدم رؤى موسوعية لأجيال الدارسين المقبلة ويتزاوج فى جديته مع جامعة القاهرة وعراقتها التى مازالت تحمل شعلة العلم والتنوير والاستنارة لمزيد من مقالات عائشة عبدالغفار