يطلق صديقى محمد إسماعيل مظهر، وهو صحفى وناقد رياضى من العيار الثقيل، لقب «السرسرية» على تلك العينة من مطربى المهرجانات، هؤلاء الذين تصدروا واجهات الأخبار على مواقع التواصل الاجتماعى خلال الشهور الأخيرة، قبل أن تتسلل أخبار خناقاتهم وملاسناتهم إلى صفحات كبريات الصحف فى مصر والعالم العربى، بعدما تحول بعضهم إلى نجوم شباك، تماما على غرار تلك الموجة التى ضربت السينما المصرية قبل سنوات بعيدة، وما زلنا نعانى من آثارها حتى اليوم، فيما عرف فى الأدبيات الفنية ب «سينما المقاولات». لا أعرف وربما لا يعرف محمد اسماعيل أيضا على وجه الدقة، الأصل الذى ينتمى إليه لفظ «السرسرية» الذى صكه أهالى منطقة القناة قبل سنوات بعيدة، وكانوا يستخدمونه فى وصف معدومى القيمة من العاطلين والبلطجية، وقد كنا نسمعه كثيرا ونحن صغار، دون أن نهتم بمعرفة أصله اللغوى، ولعله مشتق من كلمة «سبرسجى»، وهو ذلك الوصف الذى كان يطلق حتى خمسينيات القرن الماضى، على تلك الفئة من المتشردين، الذين كانوا يعملون لحساب بعض مصانع التبغ، ويقومون بمهمة جمع أعقاب السجائر من الشوارع، لإعادة إنتاجها من جديد، وطرحها بأسعار شعبية للخرمانين من المدخنين. والمتتبع لأخبار سرسرية الأغنية المصرية فى الفترة الأخيرة، ويشاهد كيف يتصدر بعضهم سباقات الأغنيات الأكثر انتشارا على المواقع الموسيقية مثل «ساوند كلاود» وغيرها، مقابل ذلك التراجع المهين لمطربين حقيقيين لهم بصمة وتاريخ فى دنيا الفن، يكاد يقول بأن الذائقة الموسيقية المصرية باتت تعانى من «الخَرم»، وهى التى طالما شنفت آذان العالم العربى بكل ما هو أصيل ومبتكر، من ألوان الغناء على مدار عقود من الزمان، قبل أن تتحول إلى تعاطى هذا اللون من الفن المغشوش، والذى بلغ حد أن يتقاضى أحد مطربى المهرجانات، الذى يعانى من «خنف» واضح، يتطلب تدخلا جراحيا عاجلا لإجراء عملية اللحمية، ثمانية عشر ألف جنيه فى الساعة الواحدة! ذات يوم كتب صديقنا الكاتب والصحفى الألمعى سيد محمود، أن العالم كان بسيطا حتى قرر مصطفى كامل الغناء، ولعله يعيد الآن حساباته جيدا، بعدما تسللت الأزمة إلى بيته، ونجحت ابنته الجميلة «مريم» فى أن تحوله، وهو الذى أمتعنا على مدار سنوات طويلة، بعشرات الأسطوانات التى كان يجمعها بدأب عجيب، لأجمل الأصوات والتجارب الموسيقية الجديدة فى العالم العربى، إلى واحد من عشرات الآلاف من «الفانز» الذين يتابعون يوميا، أخبار حمو بيكا ومعركته الساخنة مع شطة. الاسبوع الماضى، فوجئت أنا الآخر بأن ابنتى الصغرى «مريم» التى لم تبلغ بعد عامها العاشر، من الفانز الخاص بالاستاذ «حمو»، وأنها حسب تعبيراتها «مروقاه لايكات وشير ومتابعة» على قناته الخاصة على «يوتيوب»، فقلت فى نفسي: سامحنى يا سيد، لا تعايرنى ولا أعايرك، لأن الهم طايلنى وطايلك. يقول السابقون إن بقاء الحال من المحال، لذا فإن ظاهرة صعود السرسرية إلى صدارة المشهد الغنائى فى مصر، سوف تأخذ وقتها وتمضى إلى حال سبيلها، مثلما ذهبت غيرها من الظواهر الغريبة والمزيفة فى التاريخ المصرى، والمؤكد أن حمو بيكا سوف يستسلم ذات يوم إلى مبضع جراح ليجرى له عملية اللحمية، وأنه حتما سوف يتوقف عن الغناء، بعد ان يمتلئ كرشه أكثر، ليعود الى مهنته الأصلية، ويمتلك مثلا أسطولا من الميكروباصات لتجرى فى شوارع الاسكندرية من جديد، لكن المشكلة الحقيقية ستظل قائمة، ببقاء الفلسفة نفسها، وانظر حولك بهدوء لتعرف، كيف انتشر السرسرية فى مختلف مناحى الحياة فى مصر. لمزيد من مقالات أحمد أبو المعاطى