فى ظل حالة الفوضى والصخب التى تصاحب الانفصال البريطانى الصعب من الاتحاد الأوروبي، يتصاعد القلق فى بريطانيا وأوروبا على حد السواء من عواقب الخروج، حتى إن البعض ذهب إلى حد التكهن بأنها بداية النهاية للاتحاد التاريخى فى القارة العجوز. وتمثلت الأسباب التى دفعت البريطانيين إلى رمى “يمين الطلاق” فى وجه الاتحاد الأوروبى للخروج من عباءته فى دوافع عدة أبرزها، التخلص من عبء المهاجرين واللاجئين، على اعتبار أن البريكست هو الوسيلة الوحيدة التى ستسمح لبلادهم باتباع نظام جديد يمنع دخول المهاجرين إلى بريطانيا، خاصة وأن عددهم فيها يقدر ب863 ألف مهاجر، وأن تكلفة إقامتهم تصل ل3 مليارات و670 ألف جنيه إسترليني. أما السبب الثاني، فهو وقف تسلل الإرهابيين، من منطلق أن الانفصال سيوقف اتفاقية الحدود المفتوحة مع دول التكتل الأوروبى وسيحد من دخول المواطنين الأوروبيين لبريطانيا الذين يتخفى الإرهابيون بينهم بسهولة. ويتجسد ثالث الدوافع فى توفير المال لتوظيفه فى الصحة والتعليم، حيث يمكن البريكست البريطانيين من التخلص من أعباء استقبال المهاجرين ويساعدهم على توفير 350 مليون جنيه إسترليني أسبوعيا، وهو ما يعادل نصف ميزانية التعليم الأسبوعية فى إنجلترا ويعد كافيا لبناء مستشفى. ويتجلى رابع الأسباب فى دعم الاقتصاد، حيث إن الانفصال أفضل طريقة لجعل الناتج المحلى الإجمالى لبريطانيا مقتصرا على شعبها وليس أوروبا كلها. وتأتى التجارة الحرة كسبب خامس، حيث تصور المواطن البريطانى أن الرحيل سيمكن بلاده من إقامة علاقات اقتصادية ومناطق تجارة حرة مع العالم بعيدا عن قوانين الاتحاد الأوروبى التجارية. وتعد الرغبة فى توسيع نفوذ بريطانيا على الساحة الدولية سادس الدوافع، حيث يعتقد البريطانيون بأن تأثير بلادهم داخل الاتحاد الأوروبى ضعيف، وفى حالة رحيلها ستتمكن من الحصول على مقاعد فى مؤسسات عالمية خسرتها مؤخرا بسبب انضمامها للاتحاد كمنظمة التجارة العالمية. ويعتبر السعى وراء تحقيق الاستقلالية فى التشريع وجعل الكلمة الأولى للبرلمان البريطانى أحد أهم هذه الدوافع. وعلى صعيد النتائج السلبية، كشف مارك كارنى محافظ البنك المركزى البريطانى أن التصويت لصالح الخروج كلف كل أسرة بريطانية 900 جنيه إسترليني، فى إشارة إلى إجمالى النمو المفقود خلال العامين اللذين أعقبا استفتاء 2016. وأشار إلى أن هناك إمكانية للركود الاقتصادى فور مغادرة التكتل. ولم يخف كارنى الآثار السلبية الأخرى للخروج كانخفاض سعر الإسترلينى وارتفاع الأسعار وتباطؤ الاستثمارات التجارية والبلبلة فى أسواق المال وحالة عدم اليقين بشأن مستقبل العمالة البريطانية فى دول الاتحاد. ومن المحتمل أن يدفع الخروج البريطانى أسكتلندا لتنظيم استفتاء جديد للاستقلال عن المملكة المتحدة التى اختارت الانشقاق من البناء الأوروبي. وفى أيرلندا، من الممكن إعادة ترسيم حدود جديدة تعزل آيرلندا الشمالية عن جارتها جمهورية أيرلندا العضو فى الاتحاد، مما سيضعف الحركة التجارية بين طرفى الحدود، كما يمكن أن يهدد عملية السلام بينهما. ولم يقتصر زلزال “البريكست” على السياسة والاقتصاد، بل تعداه للرياضة، حيث هدد عرش الدورى الإنجليزى الممتاز لكرة القدم “البريمييرليج” ودفع لاحتمال تقليص أعداد اللاعبين الأجانب فى أندية المسابقة من 17 إلى 12 لاعبا، فى ظل الرغبة البريطانية فى زيادة عدد اللاعبين المحليين على حساب نظرائهم الأجانب والمغتربين. وفى المقابل، ستكون للخروج البريطانى آثار كارثية على الاقتصاد الأوروبي، وهو ما أكده رئيس الوزراء الإسبانى السابق ماريانو راخوي، حيث ستتكبد ألمانيا وحدها خسائر تتراوح بين 6٫4 و41 مليار إسترليني. وتكمن أخطر نتائج الخروج فى فرضية الخروج البريطانى النظيف من الاتحاد، وهو ما سينجم عنه “ظاهرة الدومينو”، أو بمعنى آخر بداية النهاية لليورو وانهيارالاتحاد، فى ظل دعوات اليمين المتطرف فى فرنسا وإيطاليا لخروج مماثل، أو “فرانكست” و”إيطاليكست”، على غرار “البريكست”.