يعانى العالم الآن من مشكلات وأوجاع اقتصادية عديدة ألمت به مؤخرا وباتت تهدد بإمكانية انهياره وتفسخه مستقبلا، ابتداء من خطر التفاف التنين الصينى حوله وهيمنة صادرات بكين واسثماراتها على أسواقه وصناعاته ومعدلات نموه، مرورا بقطيعة أمريكية وحرب تجارية تشنها واشنطن ولم تنهها إلا بعد تنازلات واضحة، انتهاء بالآثار والتداعيات الفادحة والمترتبة على الخروج البريطانى من أوروبا بحلول مارس 2019 والمعروفة ب «البريكست». فبداية، بات تمدد التنين الصينى إلى جسد ومفاصل الاقتصاد العالمى ملموسا وتأثيره عليها واضحا، وهو ما أظهره تقرير اقتصادى أعدته وكالة أنباء «بلومبرج» الاقتصادية الأمريكية أكد حقيقة هذا النفوذ الصينى التجارى الكبير، وأن العواصم الأوروبية قرعت مؤخرا ناقوس الخطر خوفا من سيطرة بكين على اقتصاداتها. كما سلط التقرير الضوء على ضخ شركات العملاق الآسيوى استثمارات كبيرة فى أوروبا وشرائها أى شيء يشكل اهتماما لها، مستخدمة موارد مالية ضخمة ومستفيدة من الدعم الحكومى الصينى لها. وذكر التقرير أن الاستثمارات الصينية فى أوروبا بلغت خلال السنوات العشر الماضية نحو 318 مليار دولار، وأن الشركات الصينية المدعومة من الدولة أو الخاصة وقعت مع 30 دولة أوروبية منذ 2008 وحتى الآن 679 صفقة بقيمة 255 مليار دولار. وأوضح أن بكين استحوذت على 360 شركة أوروبية فى مختلف المجالات، مما أثار قلق فرنساوألمانيا اللتين حذرتا من خطورة النفوذ الصينى على اتحادهم. وخلص التقرير إلى أن التكتل يسعى الآن لكبح قوة اندفاع الصادرات الصينية نحوه والتى تلقى بظلال سلبية بل خطيرة على الصناعات والصادرات الأوروبية. كما أعربت دول غرب أوروبا عن تخوفها من مساعى الصين لتقسيم قارتهم اقتصاديا عبر دعمها الدائم لدول شرق ووسط أوروبا. ومن جانبه، ذهب فاسيلى كولتاشوف مدير مركز الدراسات السياسية الروسية، فى مقال له بعنوان «هجوم صامت.. الصين تدخل الاتحاد الأوروبى لتحل محل الولاياتالمتحدة»، إلى أن الصين تحتل أوروبا بهدوء عبر استغلال خلافات الأخيرة مع واشنطن لتحقيق أهدافها، وأوضح أن الأوروبيين استفاقوا مؤخرا وبدأوا يشعرون بقلق متزايد من نفوذ «الصين» المتزايد وتوسعها الاقتصادى وخططها لفتح طرق للدخول للقارة العجوز. وتتمثل ثانى مشكلات العالم الاقتصادية الآن فى سياسات حمائية انتهجها الرئيس الأمريكى دونالد ترامب ، وأسفرت عن حرب تجارية ضروس أدت لمقاطعة بين أمريكا من ناحية وأوروبا وكندا من الناحية الأخرى، وتسببت فى إجراءات انتقامية تمثلت فى فرض رسوم جمركية إضافية على تبادل السلع بين كيانات يبلغ حجم الميزان التجارى بينهم أكثر من تريليون دولار أمريكى سنويا. ولم تنته تلك الحرب وينزع فتيلها- إلى حد ما- إلا بعد اتفاق أبرمه ترامب مع المفوضية الأوروبية، إلا أن العديد من الدول وعلى رأسهما فرنسا اعتبرته مجرد هدنة وليس نهاية للحرب التجارية. وانتقد العديد من العواصم الأوروبية الاتفاق لأنه لم يفلح فى رفع رسوم ترامب الجمركية على الصلب والألومنيوم الأوروبي، فى حين قدم الاتحاد تنازلات كبيرة، أبرزها الالتزام بشراء الغاز الأمريكى المسال غالى الثمن والصويا المعدلة وراثيا الباهظة. وترى تلك العواصم أن يونكر سعى فقط لإنقاذ ترامب أمام الصين والرأى العام المحلى الأمريكى مقابل الحصول على تعهد منه فقط بعدم فرض جمارك على السيارات الأوروبية مقابل المعاملة بالمثل، وهو ما رحبت به ألمانيا بمفردها خوفا على قطاع صناعة سياراتها. وأما ثالث الأوجاع فيكمن فى آثار الخروج البريطانى على الاقتصاد الأوروبى بحلول مارس 2019، لأن لندن تحتل مكانة اقتصادية عالمية متقدمة، وبالتالى فإن البريكست ستكون نتائجه كارثية على الاقتصاد الأوروبي، حيث من المتوقع أن يتكبد الاقتصاد الألمانى بمفرده خسائر تتراوح قيمتها بين 6٫4 مليار إسترلينى و41 مليار إسترلينى عقب «البريكست» التى ستتكبد جراءه أيرلندا ولوكسمبورج وبلجيكا ومالطا وقبرص خسائر تزيد على المتوقع أيضا. وتحليليا، سيعنى «البريكست» حرمان الاقتصاد الأوروبى من الصدارة على مستوى العالم وفقدان هيبته وقلة ثقة المستثمرين به، كما يمكن أن يجعل البريكست الاقتصاد الأوروبى معرضا للانهيار مستقبلا نظرا لأن الدول الأخرى سترغب بالانسحاب منه أيضا، خاصة إذا لاحظوا أن بريطانيا عقب انسحابها قد تطورت وتقدمت بشكل أفضل مما كانت عليه سابقا ضمن الاتحاد، وهو ما سيدفع بالسوق الأوروبية الموحدة لحالة غير مسبوقة من الفوضى. وربما سيعنى ببساطة بداية النهاية لليورو والفكرة الأساسية للاتحاد، خاصة بعد أن رأينا دعوات يمينيى فرنسا وإيطاليا المتطرفين ل «فرانكست» و«إيطاليكست».