بعد قيام ثورة 25 يناير ونجاحها بالشعب المصري العظيم بشبابه الرائع الذي ضرب أروع الأمثال بثورته وسلميتها وشعاراتها التي أصبحت مثالا وسلوكا للشعوب في نيل حريتها. كانت التوقعات كبيرة بانطلاقة بعد التخلص من النظام الفاسد الذي عطب كل أركان الدولة وترك البلاد مجردة من ثروتها وأن كانت لم تنضب لما حابها به الله من خيرات وثروات وطبيعة وثروة بشرية قادرة علي نقل البلاد للمكانة التي تستحقها بين دول العالم ولما لا وهو أقدم شعب وحضارة علي وجه الأرض، وزادت التوقعات بعد انتخاب أول رئيس مدني في تاريخها بإرادة شعبية وبرنامجه القائم علي تحقيق مطالب الثورة عيش وحرية وكرامة إنسانية وعدالة اجتماعية، وقيامه بإنهاء حكم العسكر بعد 60 عاما لتكون مصر دولة مدنية ديمقراطية حديثة، واختيار وزارة برئاسة شبابية للدكتور هشام قنديل فكان متوقعا اتخاذ سياسة اقتصادية جديدة قائمة علي العمل والإنتاج الوطني واستغلال موارد وثروات الوطن بعد تحقيق البعد الأمني رغم مواجهتها بإحداث رفح، وتبعد عن الوسائل السهلة لطلب الاقتراض من صندوق النقد الدولي للحصول علي قرض بقيمة 3.2 مليار دولار الذي كان محل جدلا كبيرا منذ تولي سمير رضوان وزارة المالية مرورا بالدكتور حازم الببلاوي وصولا للدكتور ممتاز السعيد وزير المالية الحالي الذي زاده إلي 4.8 مليار دولار من أجل سد عجز الموازنة الذي وصل إلي 135 مليار جنية أو 12 مليار دولار الناجم عن تراجع عائدات السياحة والاستثمارات الأجنبية وزيادة معدلات النمو، وذلك عند زيارة نائب رئيس صندوق النقد مؤخرا. فنري مصدر القلق عند الغالبية من أفراد الشعب والاقتصاديين هو عدم الشفافية والمعلومات المتوفرة عن ضرورة الحاجة إليه وشروطه من الصندوق علي مصر، وخاصة أن قروض الصندوق وروشته المصاحبة كفيلة بالخوف من شبح زيادة التبعية السياسية والاقتصادية وتأثيره علي استقلالية القرار المصري، بالإضافة إلي أشباح الخصخصة وإلغاء الدعم عن سلع كأنابيب الغاز وربما الخبز والكهرباء ونظام ضريبي غير فرض ضرائب تصاعدية علي الأغنياء، أو إجراءات تسبب في تخفيض قيمة الجنيه المصري أو يستخدم لتغطية أغراض استهلاكية وليس في مجالات استثمارية أو إنتاجية قادرة علي سداد القرض مما يضخم المديونية الخارجية لمصر، ويري آخرين أننا عدنا إلي سياسة الإقراض السهلة مثل ما اتخذته حكومات ما قبل الثورة دون التفكير في طرق إبداعية لتحقيق تنمية شاملة لمجتمع يبحث عن العدالة الاجتماعية، ولعدم وجود رؤية اقتصادية واضحة ومعلنة من حكومة قنديل وفريقه الاقتصادي والبرنامج الوطني للإصلاح الاقتصادي لمصر، أو لحزب الحرية والعدالة ومشروع النهضة والبرامج والمجالات التي تحتاج فيها مصر الاستثمار المحلي والاهتمام بالجانب الأمني في خطة ال100 يوم لزيادة الاستثمارات وعودة السياحة ومشاريع قومية جادة تنقل البلاد لتحقيق تنمية حقيقية وعدالة اجتماعية بدلا من اللجوء للاقتراض. بينما يري المشجعون أن الاقتصاد المصري لديه عجز في الموازنة الحالية مما يجعل الحاجة ضرورية للاقتراض إما الاستدانة من الداخل وهي مكلفة الفائدة لنحو 16% وقصيرة الأجل أو الاستدانة من الخارج بفائدة 1% ومن هنا تأتي أهمية الاتفاق مع صندوق النقد والذي يتيح ميزة أخري الحصول علي شهادة للاقتصاد المصري أنه قادر علي التعافي والعمل بشكل سليم ويحسن الجدارة الانتمائية لمصر وينعكس إيجابيا علي مؤشرات الاستثمارات، وعن زيادة طلب القرض إلي 4.8 مليار دولار جاء بعد الصعوبات الاقتصادية والحاجة الملحة لتحريك عجلة الاقتصاد خاصة بعد تراجع الاحتياطي الأجنبي إلي نحو 14.5 مليار دولار مقابل 26 مليار دولار عند بدء التفاوض، وإلي جانب تزايد عجز ميزان المدفوعات وارتفاع عجز الموازنة ليتجاوز نسبة 7.9% ، وتصريحات وزير الدكتور اشرف العربي وزير التخطيط والتعاون الدولي المبشرة بأن الحكومة غير ملزمة بسحب إجمالي القرض وقد تستغني عن جزء منه حال نجاحها في الحصول علي إيرادات مالية من جهات أخري أو جذب استثمارات محلية أو أجنبية تعوض حاجتها للقرض، وذلك حدث في الماضي أن وقعت مصر للحصول علي قروض دولية ولم تسحبها، ولكن مهم الحصول علي شهادة دولية تعزز ثقة المستثمرين وإرسال رسالة طمأنة في الاقتصاد المصري، وتأكيده علي إعلان شروط القرض في حال الاتفاق عليه علي الرأي العام بكل شفافية حتى يحدث عليه توافق مجتمعي، ومطمئنا أن حدود مصر من الاقتراض الخارجي لا تزال آمنة . وأجدني ما بين أن الاقتراض للحكومة يأتي من منطلق جهودها لدفع عجلة الاستثمار وتطمئن العالم في الاقتصاد المصري، وبين أنه ربما انتعاش اقتصادي مؤقت مقابل أزمات وديون في رقبة حكومات قادمة، وبين غياب تفاصيل برنامج الإصلاح المالي والاقتصادي لم يتم الإعلان عنه وغموض يكتنف القضايا الاقتصادية مثل عجز الموازنة وحجم الدين العام المحلي وإعادة هيكلة الأجور أو علاج واضح لمشاكل الدعم وترشيد الإنفاق الحكومي، ورؤية تجاه أزمة الصناديق الخاصة وتحصيل المتأخرات الضريبية وبرنامج للإصلاح الضريبي والجمركي تكون حلولا أكثر نفعا في الداخل والخارج.. "أصرخ" يقطع الإقراض وسنينه. المزيد من مقالات محمد مصطفى حافظ