بالرجوع لكتب السيرة الموثقة يتبينُ أنه لم يثبُت يقينا يومُ مولد المصطفى صلى الله عليه وسلم؛ والسر في ذلك أنه وقت أن ولد كان طفلا كأي طفل، لم يكن يُعلم أنه سيكون نبيا مرسلا يُغير تاريخ الأمم ويُبعث رحمة للعالمين، ولكن الأرجح والأقرب للصواب، أن الثاني عشر من ربيع الأول سنة إحدى عشر من الهجرة، هو تاريخ وفاته صلى الله عليه وسلم. واستنادا إلى هذا القول، فإن الاحتفال بمولده - كما اعتاد الناس على مر الأزمان في الثاني عشر من ربيع الأول وبهذه الصورة المقيتة التى تُقام فيها الزينات وتُصف فيها النمارق وتُشيد فيها مسارحُ – لصيِّتة – ينعقون كما تنعق البوم، مع طبل وزمر ورقص هيستيرى يُظن أن صاحبه - ملبوسٌ- بعفريت من الجن الأحمر أو الأزرق أو أي لون شئت، فضلا عن تعاطى المخدرات والمشروبات الروحية وغيرها التي تُذهب العقول، فيكثُر اللغط والهذيان طيلة الليل، وتُرتكب فواحش وتُنتهك محرمات، ثم ينفض السامر قبيل الفجر بقليل، وربما امتد إلى بعد الفجر دون هرولة المحتفلين بمولد المصطفى للصلاة - هو احتفالٌ بوفاته وليس بمولده كما يعتقد الكثيرون، كما أنه استخفافٌ بجلال وجمال صاحب تلك الذكرى العطرة. إن الاحتفال بمولد النبي خير البشر الذي بعثه الله رحمة للعالمين، وجاء ليُخرج الناس من ظلمات الوثنية والشرك إلي نور التوحيد، يختلفُ تماما عما يتبعُه عامة الناس اليوم ممن يحرصون على ملء البطون والغرق في بحر الشهوات والملذات دون تفكر فيمن يتضورون جوعا، ويبحثون في صناديق القمامة عن لقمة عيش تُقيم أودهم، أو كسرة خبز صلدة تأففت من أكلها الكلاب تُمسك رمقهم. إن الاحتفال بمولد المصطفى يكون بمراجعة سيرته، والتأسِّى بسنته في: حله وترحاله، في فرحه وترحه، في منهجه وسلوكه ، في السير علي خطاه حذو القذة بالقذة؛ لأن ما جاء به وما أقره بقوله أو صمته هو وحيٌ من رب العالمين القائل سبحانه: (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحى يوحى). الاحتفال بمولده صلي الله عليه وسلم هو الشجاعةٌ في القول والإخلاص في العمل ودفع الضيم والوقوف في وجه الظالم ولو كلف ذلك المظلومَ حياته. إن الاحتفال بمولد المصطفى هو دعوة للعمل الجاد والسعى الدءوب لتنهض أمتنا وتعودَ عزتنا، هو صيحة للدفاع عن الأرض التي هي أغلى من العرض، وتأصيلٌ لحب الوطن، الذي برهن عليه المصطفي حينما أُجبر على الخروج من مكة فقال عبارته الشهيرة التي سطرها التاريخ بأحرف من نور: والله إنك أحب بلاد الله إلى الله وإليّ ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت. إن الاحتفال بمولد النبي هو دعوةٌ للتعاون على البر والتقوى، وإغاثة الملهوف، وإطعام الجائع وإدخال السرور على قلوب الفقراء والمحتاجين. أما أن يموت كثيرون منا بالتخمة ويعانى آخرون أمراضَ السمنة مع وجود من يموتون من شدة الجوع فهى مجافاةٌ للمصطفى وبعدٌ عن سيرته التى من أهم مبادئها القناعة والزهد. إن الاحتفال يا سادة بمولد النبى هو تمكينٌ لصوت العلم، وهدم لصوامع الجهل وذلك بتقديم العلماء الحقيقيين الذين يُبلغون صحيح الدين ولا يبحثون عن شواذه لإثارة البلبلة واللغط، كما يفعل بعضٌ من شيوخ الضلال اليوم. وساعة أن يتحقق ذلك سيكون الاحتفال أجمل؛ لأنه سيكون (مولد وليس صاحبه بغائب). Sabry_elmougy @yahoo.com لمزيد من مقالات صبرى الموجى