اختتمت يوم السبت الماضى فى تونس فاعليات الدورة التاسعة والعشرين لمهرجان أيام قرطاج السينمائية، وتم تتويج فيلم «فتوى» للمخرج التونسى محمود بن محمود بجائزة «التانيت الذهبى» لمسابقة الأفلام الروائية، ونال الفيلم المصرى «يوم الدين» للمخرج أبو بكر شوقى جائزة التانيت الفضي، وذهب التانيت البرونزى لفيلم (مسافرو الحرب) للمخرج السورى جود سعيد. وفاز بجائزة أفضل ممثل التونسى أحمد حفيان عن دوره فى فيلم «فتوي» فيما فازت الكينية سامنتا موكاسيا بجائزة أفضل ممثلة عن دورها فى فيلم «رفيقى». قبل أن أحضر انطلاق «أيام قرطاج السينمائية» التقيت المسئول الأول عنه المنتج السينمائى نجيب عياد ويومها تحدث بفخر شديد عن أن المهرجان من المهرجانات التى تحظى بإقبال جماهيرى كبير. يومها تخيلت أن الحضور الذى يتحدث عنه ماهو إلا الحضور التقليدى للأفلام ولكن بمجرد أن انطلقت عروضه شاهدت ما لم اكن اتوقعه فهناك حالة إقبال جماهيرى غير مسبوقة فطوابير حجز الافلام تمتد إلى عشرات الأمتار وأيضا طوابير دخول العروض وقد صدق «عياد» فعلا فى ان قرطاج هو مهرجان جمهور بالأساس، وان الجمهور تربى على نوعية من الأفلام وهذا ما يميز «قرطاج». وحتى لجنة التحكيم توجت بالجوائز الافلام التى انتصرت للانسانية بتنوع مشكلاتها وهمومها وقضاياها المختلفة من بلد لآخر ففيلم » فتوى » يقف فى مواجهة الإرهاب، وقد استقبل بحفاوة كبيرة من الجمهور الذى صفق لكثير من المشاهد كنوع من التأييد والدعم لضرورة مواجهة الإرهاب. وتعرض أحداث الفيلم قصة أب اسمه إبراهيم، يعود من فرنسا عام 2013 إلى تونس لدفن ابنه مروان الذى توفى فى حادث دراجة نارية فيكتشف أن ابنه كان ضمن مجموعة إرهابية فيقرر القيام بالبحث عن الأشخاص الذين قاموا باستقطابه وتكون النهاية بمقتل البطل على أيدى جماعات سفك الدماء المتشددة بعد ان كشفهم وفضحهم ما يشير إلى استمرار العنف ومن يدعمه ويموله وأن الإرهاب لم ينته . ويعيد الفيلم التذكير بسيطرة «التيارات المتأسلمة» على الشارع،وما حدث من تغييرات على التونسيين كانتشار ظهور النساء بالنقاب وإغلاق دور الثقافة وغيرهما من الظواهر، ويكشف ايضا الصراع بين التيارات المختلفة شكلا وجوهرا . وعقب تسلمه جائزة التانيت الذهبى قال المخرج محمود بن محمود فى كلمته: السينما ككل الإنتاجات الثقافية تؤدى دورها لتفتح عيون الشباب وتقيهم من الانحرافات الإجرامية الدامية التى استهدفت بلادنا . وأهدى الجائزة الى أبطال الفيلم. وقال: ان الفيلم إهداء إلى كل العائلات التونسية والعربية التى عاشت مأساة تسفير أبنائها إلى بؤر التوتر. أما فيلم «يوم الدين» للمخرج ابو بكر شوقى الحاصل على جائزة التانيت الفضى فقد انتصر له مبكرا جمهور مهرجان قرطاج حضورا وتصفيقا، فكان الجمهور فى شغف وترقب لعرضه وقوبل بعاصفة من التصفيق والإشادة بما يحمله من رسائل إنسانية.ويتناول «يوم الدين» جوانب من حياة «بشاي» الذى يقرر بعد وفاة زوجته مغادرة «مستعمرة» للمصابين بالجذام وينطلق مع حماره رفقة صديقه «النوبي» الشهير ب «أوباما» فى رحلة فى أنحاء مصر بحثا عن عائلته. ويركز الفيلم على رسائل عدة أهمها الدعوة للمساواة بين جميع البشر بصرف النظر عن مستوى البشر المادى أو المعاناة الصحية أو اختلاف الدين والتباين فى التدين. وعقب عرض الفيلم تحدث ابو بكر شوقى ل«الأهرام» وعبر عن سعادته الكبيرة باستقبال الجمهور وقال انه شرف كبير ان أكون بين نخبة من اهم المخرجين بأفلام مهمة. وقبل اعلان الجوائز التى لم يحضر حفلها نظرا لسفره سألته عما اذا كان ينتظر جائزة قبل ان يحصل عليها بالفعل ؟ قال : الجائزة بالنسبة لى هى ان تصل رسالة الفيلم للجمهور فى اى بلد لأن القضايا الإنسانية التى يحملها الفيلم تلمس اى إنسان فى اى مكان. اما فيلم «مسافرو الحرب» للمخرج السورى جود سعيد الحائز جائزة التانيت البرونزى فهو يتناول قصة بهاء الذى يتقاعد ويخطط للرحيل من حلب الممزقة بالحرب وخلال الرحلة إلى قريته مع مسافرين آخرين، تدفعهم الاشتباكات إلى التعديل فى خط الرحلة ويجد نفسه مع مجموعة من الشخصيات المختلفة فى الأفكار والمصالح لكنهم يحاولون معا إعادة الحياة إلى قرية مدمرة وجدوا فيها ملاذهم بانتظار نهاية المعارك التى دمرت وخربت وشوهت المبانى والعقول وغيرت الحسابات وأنتجت جيلا لن يرى إعمارا مثل الذى كان وهذا ما دعا المخرج الى كشف حلمه أمام الحضور بقوله: «أحلم بوطن بلا دم.. وطن لكل السوريين». وأضاف: إن الفن يكنس السياسة وسيترك للأجيال لحظات وصورا تقول اننا كلنا كنا مخطئين بحق وطننا وبحق الانسانية وهذا يتأكد من العبارة الأولى للفيلم التى تدعو لكراهية الحرب وحب الحياة وان «كل من يحارب مجنون». وهذا ما حاول ان يظهره المخرج فى فيلمه الذى حمل الكثير من الوجع لما آلت اليه سوريا من دمار وخراب، وهو ما لخصه بطل الفيلم ايمن زيدان فى كلمته للجمهور: عندما تكون موجوعا ومتألما فإنك تحتاج إلى أن تحكى لأهلك فأنا جاى احكى لأهلى وجعى. هذا الوجع مهما اتفقنا او اختلفنا حوله فإنه وجع عربى كامل لمن يحس ولمن يؤمن بالله ويكره الحرب والقتل فالحروب تجعل اقصى أحلام الناس «ان نشرب ماء» حسب ما جاء فى حوار الفيلم ، ففى الحروب تجار دين وهوى وشهوات وبشر يتحلون بالإنسانية والانتصار للحب والحياة . وكانت العراق ضيف شرف المهرجان وأقيمت فى المناسبة احتفالية حضرها وزير الثقافة العراقى احمد صالح العبيدى وتحدث ل «الأهرام» حول اهمية السينما وثمن دعوة الشقيقة تونس لمشاركة بلاده فى مهرجان قرطاج. وقال: أريد للعراق ان يغيب عن الساحة العربية ولكن مادام كان هناك شعب متحضر مثقف فلن يستطيع احد يغيب العراق واكد ان الفترة المقبلة ستشهد نهضة كبيرة فى الانتاج السينمائى وبناء دور العرض. وقال ان الحكومة العراقية لديها مشروع ثقافى طموح هو اعادة المواطن مرة اخرى لثقافة المشاهدة الطبيعية للمسرح والسينما بدلا من المشاهدة عبر شاشة التليفزيون وأجهزة الكمبيوتر وتقف على هذا المشروع وزارات عدة وهذا الأمر يشجع المنتجين على انتاج افلام تجد الاقبال الجماهيري. واشار الوزير إلى ان الفترة المقبلة ستشهد: إعادة تأهيل دور العرض التى مازالت موجودة كما سيتم بناء دور عرض جديدة. وقال: إننا نريد ان ننفتح على واقع جديد بعيدا عن حالة الخراب والدمار التى كانت فى الماضى وان يظهر العراق فى صورة جميلة من خلال اعمال فنية. وكان المخرج الراحل يوسف شاهين حاضرا في كل مكان، فقد اختارت ادارة مهرجان قرطاج صورة من فيلم «باب الحديد» الذي شارك في بطولته إلي جانب النجمة هند رستم ليتصدر المعلقة الرسمية للمهرجان كما ان كثيرا من صور نجوم مصر كانت تستقبل القادمين من لحظة نزولهم من الطائرة وهو ما يؤكد مدي تأثير نجومنا الكبار قيمة وقامة ونجاحهم في التقارب بين الشعب العربي الموحد علي حب الفن في مواجهة كارهي الحياة من خفافيش الفكر الظلامي او اولئك المتاجرين بالوطن. ومن واقع المشاهدات والمتابعة التى قمت بها لكثير من الافلام والافكار فانى ارى ان اخطر ما تتعرض له مصر الآن افتراءات مدعين الفن الذين يقدمون أنفسهم للمجتمعات الاخرى كأبطال حرية واتساءل: كيف ترضى ايها المدعى الفن ألا تلتفت الى وطنك الآمن المستقر حاضن الجميع ولا يهمك سوى تشويه أى شئ لحساب من مولك واعطاك واطعمك؟ مؤكد ..هناك مبدعون وطنيون لا يبيعون وطنهم من اجل الحصول على تأشيرة او اقامة دائمة فى دول التخريب وهنا اطرح اسئلة عن دورالنقابات الفنية الوطنية فهى وحدهها القادرة على الوقوف فى وجه هؤلاء الذين يزايدون على الوطن والشعب. وزير الثقافة التونسى يثمن تتويج فتوى بالجائزة الذهبية