قبل أن نستكمل الحديث عن التحديات المائية فى مصر، نتوقف قليلا لنشير الى الزيارة المهمة والناجحة التى قام بها الرئيس السيسى فى ألمانيا واتصل بى عدد من الزملاء والأصدقاء الألمان الذين أصبحوا فى مناصب مرموقة للإشادة بها وبحرصه على حماية مصالح شعوب افريقيا. فى هذا الإطار قد يكون هناك مجال لمبادرة مصرية افريقية ألمانية تتعلق بنهر النيل الذى يعد أحد ثروات افريقيا وتستفيد من مياهه 12 دولة ومن الناحية التاريخية جمهوريتا افريقيا الوسطىوتشاد. يعطى الماء والحياة للإنسان والحيوان والزراعة والطبيعة ويسهم فى الحد من الجوع والفقر والتصحر والجفاف والقحط. يستحق اهتماما عالميا لحمايته والحفاظ على مياهه . وتتعلق المبادرة بضرورة الحفاظ على كميات هائلة من مياه النيل المهدرة عند المنبع. مياه الهضبة الإستوائية التى هى اهم مصادر مياه النيل غزيرة لكنها ضائعة بسبب عوامل الفقد من البخر وغيره. كمية الأمطار التى تسقط على حوض بحيرة فيكتوريا تقدر بأكثر من 110 كم3 ولكن جملة المياه التى تخرج من البحيرة لنيل فيكتوريا نحو 30كم3 فقط وجملة ما يتجمع من منابع الهضبة الإستوائية 33 كم3 تدخل لمنطقة السدود وهى مستنقع مائى يمتد نحو 700 كيلو متر من منجلة الى الملكال وتصل إلى هذا المستنقع الرحب موارد بحر الغزال الذى يمتد نحو 160كم من مشرق الرق الى بحيرة نو ، ويقدر ما يسقط من الأمطار على حوضه بأكثر 500 كم3 يصل منها الى مخرج النهر عند بحيرة نو نحو 6% فقط كذلك يصل إى هذا المستنقع واحد من الروافد الكبيرة وهو بحر العرب بروافده وحوضه الممتد الى الأقاليم الغربية من السودان وتخوم تشاد وجمهورية افريقيا الوسطى وحصيلته قليلة. هذه المياه الداخلة الى منطقة السدود لا يخرج منها الى النيل الأبيض المتجه شمالا الا 15كم3 سنويا خلاصة ذلك ان الموارد المائية الغزيرة التى تتجمع من امطار القطاع الإستوائى من النهر لا تغذى النهر المتجه شمالا إلا بجزء قليل منها. هذه الحقائق تجعل القضية الأولى من بين قضايا موارد النهر العمل على صون قدر معقول منها وحفظها من الضياع. التعاون الإفريقى فى هذا المجال مطلوب وله سابقة ناجحة فى خزان أوين الذى سبق الإشارة إليه عند مخرج نيل فيكتوريا من البحيرة قرب بلد جانجا مما أتاح موارد الطاقة الكهربائية لأوغندا وقدرا من المياه الإضافية إلى موارد النهر. هناك تعاون بين مصر والسودان وأوغندا وكينيا وتنزايا بمساعدة المنظمة الدولية للأرصاد الجوية وبرنامج الأممالمتحدة للتنمية فى برنامج علمى للأرصاد المائية لمنطقة البحيرات الاستوائية خاصة بحيرات فيكتوريا وكيوجا والبرت بدأ فى 1967 وفى 1971 انضمت اثيوبيا. وفى 1972 انضمت رواندا وبروندى واتسع مدى البرنامج الى المنابع العليا للنهر. فى 1974 انضمت زائير واتسع بذلك مجال الأرصاد ليشمل حوض نهر السميلكى واتصلت هذه الدرسات مما زاد من معارفنا عن هيدلوجية هضبة البحيرات ونشرت نتائج هذه الدراسات فى عدة مجلدات. هناك محاولة لم تتم لمشروع قناة جونجلى الذى يهدف الى حفر قناة تحمل بعض المياه الاستوائية متجاوزة منطقة السدود بما يضيف الى موارد النهر عند الملكال عدة كيلو مترات مكعبة وقد شرعت مصر والسودان فى تنفيذ هذا المشروع المفيد ولكن القلاقل والحروب الأهلية اوقفت استكماله ويمكن بالتعاون بين دول حوض النهر استكمال هذا المشروع او غيره لصون المياه بما يزيد من موارد النهر بالتعاون مع الدول المانحة. ودول العالم اليوم بالنسبة للنيل فريقان فريق يسعى لاستخدامه سياسيا لأهداف غير سوية ومنع المياه عن دول المصب، وفريق يهتم به وبحمايته. صادق فى اهتمامه بشعوب افريقيا ومن بين هؤلاء المانيا التى هى اكثر الدول اهتماما بالتعاون مع مصر فى مجال المياه والصرف الصحى وكان حديث سفيرها فى عيدهم القومى عن أزمة المياه ونهر النيل واهميته. الاقتراح الذى نقدمه مبادرة مصرية تهدف الى مشروع يصون هذه المياه من أجل حماية النيل ومياهه ورفاهة شعوب افريقيا . العلم الحديث والتكنولوجيا يسمح بذلك فهل هناك من مجال للتعاون بين ألمانيا ومصر ودول افريقيا من أجل حماية موارد النيل عند المنبع مجرد مبادرة قد تستحق الاهتمام. نعود للقضايا والتحديات التى تواجه الأحوال المائية فى مصر. تناولنا فى الحديث السابق ثلاثا منها هى قلة الموارد المتاحة ، ثم مشكلة الانفجار السكانى التى تلتهم كل محاولات التنمية وثالثا الأمراض الناجمة عن التلوث وهناك تحديات وقضايا أخرى لها حديث قادم. لمزيد من مقالات د. ليلى تكلا