لاتزال التطورات الاقتصادية العالمية وفى القلب منها ازمة الاسواق الناشئة تلقى بظلالها على اقتصادات الدول النامية ومنها مصر وان تضاءلت تداعيات مظاهر تلك الازمة على الاقتصاد المصرى حتى الان، لاسيما ان الغيوم تفرض ضبابية على التكهنات والتوقعات المتفائلة بانزواء الازمة فى الامد القريب . تفرض التطورات الاقتصادية العالمية تحدياتها على الاقتصاد المصرى بعد النجاح الذى حققه برنامج الاصلاح الاقتصادى على مدى العامين الماضيين والنتائج التى اسفرت عن التحسن الكبير فى مؤشرات الاقتصاد الكلى، وفى مقدمتها تراجع عجز الموازنة العامة والمضى قدما فى تقليص ذلك العجز وتحقيق الانضباط المالى، بعد تراجع عجز الموازنة العامة الى 9.8% العام المالى الماضى وتعمل الحكومة على تراجعه الى 8.4 % العام المالى الحالى 2018/2019، ولكن ارتفاع اسعار النفط عالميا الى 86 دولار للبرميل مقارنة بالسعر التقديرى فى الموازنة العامة 67 دولار ، يفرض اعباء جديدة على الموازنة العامة ،لإن كل دولار زيادة فى سعر النفط يكلف الموازنة العامة نحو 4 مليارات جنيه وفقا لوزير المالية د. محمد معيط، فاتورة دعم المنتجات البترولية ستقفز الى نحو 125 مليار جنيه مقارنة بنحو 84 مليار فى الموازنة العامة ، وهو ما يصعب الامر على الحكومة لاسيما فى ظل استمرار زيادة دعم الوقود رغم المضى قدما فى خطتها للإلغاء التدريجى لذلك الدعم، اذ لا يزال دعم لتر البنزين يتراوح ما بين 1.75 جنيه الى 3جنيهات ، ودعم السولار ارتفع الى 5 جنيهات ، كما ارتفع دعم اسطوانة البوتاجاز الى 111 جنيه – 161 جنيها التكلفة مقابل 50 جنيها سعرها الحالى – كما يتزايد دعم الكهرباء بالتبعية. ضغوط ارتفاع اسعار النفط لن تقتصر على زيادة اعباء الموازنة العامة فحسب ،بل ستمتد الى الضغط على تدبير العملات الاجنبية لاسيما وان 30% من استهلاك المواد البترولية يتم استيراده من الخارج، وان كان هذا الامر يتوارى ازاء انتعاش تدفقات النقد الاجنبى من مصادر الاقتصاد الحقيقى خاصة السياحة، والصادرات الى جانب تحويلات المصريين بالخارج. ضغوط التطورات الاقتصادية العالمية لا تقتصر على تداعيات ارتفاع اسعار النفط ، بل تمتد الى ارتفاع تكلفة الاقتراض لسد عجز الموازنة العامة سواء من السوق المحلية، او السوق العالمية، لان ارتفاع الفائدة على الدولار الامريكى وازمة الاسواق الناشئة، سبب رئيسى فى ارتفاع العائد على السندات واذون الخزانة التى تطرحها المالية وهو ما دفع الوزارة الى الغاء الطرح 3 مرات فى وقت سابق واستبدال السندات بالاذون قصيرة الاجل، هذا التأثير يمتد إلي الصناديق العالمية التي تعيد هيكلة محافظها وتستهدف الاستثمار فى السوق الامريكية للاستفادة من ارتفاع الفائدة على الدولار وسط اعلان الفيدرالى الامريكى نيته الاستمرار في سياسة رفع الفائدة علي الدولار، الى جانب استهداف الاسواق الناشئة التى شهدت ارتفاع الفائدة لديها لمواجهة انخفاض عملتها وفى مقدمتها الارجنتين وتركيا، هذه التطورات ستترك اثرها بارتفاع العائد على السندات المصرية التى تعتزم وزارة المالية طرحها فى الاسواق العالمية خاصة الاسيوية، حيث تسعى الى طرح سندات بالين واخرى باليوان، كما يطرح تساؤلات حول خطة الوزارة فى اللجؤ الى السوق العالمية لاقتراض نحو 17 مليار دولار لتمويل عجز الموازنة العامة خلال الفترة المقبلة. لا احد ينكر ان وزير المالية يتمتع بكفاءة عالية ويمتلك خبرة طويلة، ولكنه فى موقف لا يحسد عليه ازاء التداعيات الناتجة عن التطورات الاقتصادية العالمية، والبحث عن بدائل قصيرة الاجل لتمويل الاعباء الجديدة . يبقى ان نشير الى انه رغم اعادة هيكلة الصناديق العالمية لاستثماراتها فى الاسواق الناشئة وسحب جانب كبير منها، ولم تكن مصر بعيدة عن هذا الامر نسبيا اذ تراجعت استثمارات تلك الصناديق فى السندات والاذون الحكومية من 23 مليار دولار فى نهاية ديسمبر 2017 الى نحو 14 مليار دولار فى نهاية سبتمبر الماضى، الا ان هذا الامر لم ينعكس سلبيا على الاحتياطى الاجنبى لدى البنك المركزى الذى شهد استقرارا وحافظ على مستواه المرتفع بما يتجاوز 44.4 مليار دولار وهو ما يغطى واردات 8.7 شهرا، كما حافظ سوق الصرف على استقراره على مدى العامين الماضيين، ليعكس التحسن فى الاقتصاد الحقيقى واستعادة قطاعات الاقتصاد الاساسية عافيتها لاسيما قطاع السياحة، كما يمثل شهادة نجاح للسياسة النقدية التى ينتهجها البنك المركزى لاسيما فى قراءاته وتنبوئه بالتطورات الاقتصادية العالمية وازمة الاسواق الناشئة فى الوقت المناسب والاستعداد لها بزيادة الاحتياطى الاجنبى بتمسك محافظ البنك المركزى طارق عامر باللجؤ الى طرح سندات فى فبرير وابريل الماضيين، الى جانب تفعيل ادوات السياسة النقدية الملائمة لاسيما سعر الفائدة بما أسهم فى الحفاظ على الجانب الاكبر من استثمارات الصناديق العالمية . كما ان استمرار التحسن فى مؤشرات الاداء الاقتصادى وتزايد ثقة المؤسسات الدولية ودوائر المال والاستثمار فى الاقتصاد المصرى أمر يدعم النظرة المستقبلية المتفائلة بالاقتصاد المصرى وقوة الدفع لاستكمال الاصلاح الهيكلى.