فى خلطة بناء العلاقات الدولية والممارسات السياسية العالمية الآن عجينة ازدحم فيها التآمر السياسى بالغدر والخيانة والقسوة والقتل, وما يسمونه أساليب الحكم العملية وفنون الحرب غير الشريفة وغايات تبرر الوسائل القذرة وارتكاب رذائل لزيادة الازدهار والرفعة، والبعد عن الفضائل التى قد تؤدى إلى تدهور الحكم وانهياره . سياسة مكيافيللية لا اعتبار فيها للقيم الأخلاقية بل لابد فيها من استقلال السياسة عن الأخلاق ،ومنذ قديم الأزل لا يوجد ارتباط بين السياسة والأخلاق إلا فى النظريات فقط، وفشلت كل نظريات الفكر السياسى عبر تاريخ الإنسانية الطويل منذ العصر اليونانى فى كبح جماح من يريدون السيطرةعلى مقدرات الدول ونهب ثروات الشعوب, كما لم تفلح منظمة الأممالمتحدة ومجلس الأمن ومن قبلهما عصبة الأمم فى إيقاف المذابح الدامية والمأساوية فى كل مكان وأى زمان أو إيجاد صيغة ملائمة ليعيش إنسان هذا العصر فى هدوء وراحة بال وطمأنينة ،نستثنى من هذا كله عصر النبوة وصدر الإسلام وعهد الخلفاء الراشدين ثم فترة حكم خامس الخلفاء عمر بن عبد العزيز وجزرا أخرى صغيرة ومتفرقة فى بحر الزمن عملوا على إرساء القيم الإنسانية الرفيعة فى كل نواحى الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وفى السلم والحرب . السؤال المطروح الآن هل يطبق الساسة فى العالم الآن الأخلاق فى سياستهم, ؟بالطبع لا بل زادت الأمور تعقيدا بأن أصبحت المشكلات السياسية تستند فى حلها إلى التكنولوجيا التى تُستخدَم بشكل لا أخلاقي، فقد باتت الأقمار الصناعية أهم طرق للتجسس فى الوقت الحالى, وإذا بحثنا عن زعيمة المكيافيللية فى هذا المجال تكون الولاياتالمتحدةالأمريكية التى تسيطر على 90 % من الفضاء الخارجى ، وتأتى الأقمار الصناعية التى تقوم بوظيفة الاستطلاع الإلكترونى وشبكات التجسس فى المقدمة من حيث القدرة على اعتراض ملايين الاتصالات التليفونية ورسائل البريد الإلكترونى يوميا من العالم أجمع، ويقول أشرف شتيوى فى كتابه سقوط CIA: إن المخابرات الأمريكية اخترقت مكالمات الهواتف المحمولة وتوصلت لمعرفة مكان المتحدثين وطورت جهازا إلكترونيا تستطيع بواسطته استخدام الميكروفون الموجود فى الهاتف المحمول لكى ينقل جميع الأصوات والمحادثات الجارية حوله, وكان هذا التقدم التكنولوجى المذهل وقتها هو السبب فى اغتيال عدد من القيادات مثل الرئيس الشيشانى دوداييف، كما أوقع بعبد الله أوجلان زعيم حزب العمال الكردستانى عندما اتصل بمؤتمر البرلمانيين الأكراد فى أوروبا فتم تحديد مكانه, ولكن أجهزة المخابرات الأمريكية فشلت فى تحديد مكان الجنرال الصومالى «عيديد» لأنه لم يكن يستعمل أى جهاز إلكترونى فى أثناء الأزمة الصومالية. بجانب الأقمار الصناعية توجد لدى البحرية الأمريكية ما يسمى «الطائرة الجاسوسة» تستطيع جمع المعلومات شديدة الحساسية وهى محملة بأجهزة استقبال وهوائيات قادرة على اعتراض وتحليل الاتصالات اللاسلكية العسكرية والمدنية ومن خلالها يمكن التعرف على خطط وتحركات القوات المعادية سواء فى السلم أو فى الحرب. لقد سقط العراق ليس بسبب الحظ الذى حالف واشنطن أو القوة العسكرية الضخمة التى عرضتها على ساحة المعركة, ولكن كان سقوط نظام صدام وجيشه نتيجة الدور الذى نفذته المخابرات الأمريكية واتصالاتها عبر المحمول مع عملاء قاموا بدورهم فى إقناع وإغراء العديد من قادة الجيش العراقى بالاستسلام مقابل امتيازات لهم ولعائلاتهم. هكذا تسقط الدول الآن إنهم يقيسون اتجاهات الرأى العام فى بلادنا ويتعرفون على أدق أسرارنا وحياتنا وتفاصيل معيشتنا من خلال ثرثرتنا على مواقع التواصل وعبر المحمول هم ينتجون ونحن نستهلك، هم يعملون ونحن نثرثر، تركنا لهم العلم واخترنا الجهل بإرادتنا فوظفوا التكنولوجيا لشر البشرية وما زالت سائرة فى غيها وجبروتها تريد السيطرة وفرض القوة على الضعفاء ولا سبيل إلا الوعى بأننا فى عالم تحركه سياسة لا أخلاقية فلنفق ونصح من التنبلة التى نعيش فيها ونلحق بركاب العلم والتكنولوجيا قبل أن تحترق أوطاننا. لمزيد من مقالات ◀ سهيلة نظمى