تتميز العلاقات المصرية السعودية بخصوصية كبيرة، فهى علاقات إستراتيجية راسخة ومتجذرة عبر التاريخ صنعتها وحدة المصير والعمل المشترك، وانطلاقا من أن قوة البلدين هى تعبير عن قوة العالم العربي، حيث يشكل البلدان صمام الأمان للأمن القومى العربى فى ظل التحديات الكبيرة التى تواجهه خاصة تزايد أدوار أطراف دولية وإقليمية تسعى للعبث بالمنطقة العربية مستغلة حالة السيولة التى مرت بها فى السنوات الأخيرة وما شهدته من اندلاع الصراعات والحروب فى بعض الدول العربية، فقد سعت أطراف كثيرة لتعظيم مصالحها على حساب المصلحة العربية وتحولت المنطقة لساحة صراع للمصالح بين الدول الكبرى فى النظام الدولى وقوى إقليمية تضمر للمنطقة وللشعوب العربية شرا, وعلى رأسها إيران التى سعت لتعظيم دورها فى دعم الإرهاب فى المنطقة عبر أذرعها الإرهابية مثل حزب الله اللبنانى وميليشيا الحوثى الانقلابية فى اليمن والميليشيات الحليفة لها فى سوريا والعراق، ومحاولتها إنشاء كيانات موازية تشكل خطرا على الدولة الوطنية العربية. ولذلك فإن العلاقات القوية والصلبة بين مصر والسعودية تمثل حجر الزاوية فى مواجهة المخاطر والتهديدات المتزايدة أمام الدول العربية، وفى ظل اضطراب المنطقة وتأزم أوضاع الكثير من الدول العربية التى تشهد إما حروبا أو أزمات سياسية واقتصادية، فإن مصر والسعودية بثقلهما السياسى والاقتصادى والعسكرى الكبير يشكلان حجر الزاوية فى الحفاظ على النظام الإقليمى العربى ومنع انفراط عقده، وفى حل أزمات وصراعات المنطقة وإطفاء النيران المشتعلة فى كل من سوريا وليبيا واليمن وغيرها، وتعظيم الدور العربى فى إدارة تلك الأزمات بما يقلل من الأدوار الخارجية التى تسببت فى تعقيد تلك الأزمات وإطالة أمدها. العلاقات المصرية السعودية هى علاقات عضوية لا يمكن لأى عواصف أن تؤثر عليها ولا يمكن لأى طرف كان أن ينال منها، فهى علاقات أشقاء متشابكة ومتلاحمة على كل المستويات الرسمية والشعبية، وعلى المستويات السياسية والاقتصادية والثقافية والدينية، وهى نموذج لما يمكن أن تكون عليه العلاقات العربية العربية من حيث التعاون والتنسيق الدائم فى الدفاع عن القضايا العربية وفى دعم كل منهما للآخر والوقوف بجانبه وقت المحن والأزمات، ولا يمكن للشعب المصرى أن ينسى المواقف التاريخية للمملكة العربية السعودية الداعمة لها سياسيا واقتصاديا، وهناك الكثير من المواقف التى لا تعد ولا تحصي، وقفت فيها المملكة إلى جوار مصر، لعل من أبرزها حرب أكتوبر 1973 حينما قادت المملكة فرض حظر للبترول على الدول الداعمة لإسرائيل وهو ما كان له أثره البالغ فى دعم الموقف المصري، وكذلك الموقف السعودى الداعم بعد ثورة 30 يونيو, سواء فى المجال الاقتصادى أو فى المجال السياسى, ودور المملكة فى مواجهة الموقف الدولى السلبى من الأوضاع فى مصر بعد الثورة، وفى المقابل فإن أى تهديد يواجه المملكة هو تهديد لمصر، حيث أعلن الرئيس السيسى أكثر من مرة أن أمن الخليج هو خط أحمر, وأن مصر دائما بجوار الأشقاء فى المملكة ودول الخليج. مصر والسعودية تشكلان محور الاعتدال وتمثلان الإسلام الوسطى فى مواجهة أفكار التشدد والتطرف الغريبة على الإسلام والتى وتسعى إلى نشر ثقافة الكراهية والتدمير، والبلدان عضوان فى التحالف الإسلامى للحرب على الإرهاب الذى تقوده السعودية، كما أن البلدين يشكلان محور التنمية والتقدم بما يمتلكانه من قوة اقتصادية وموارد بشرية هائلة، ورؤى 2030 فى كلا البلدين والتى ترتكز على تنويع الاقتصاد وتوظيف التكنولوجيا الحديثة فى إحداث نهضة اقتصادية شاملة وتحقيق التنمية المستدامة، وهناك العديد من المشروعات العملاقة فى البلدين التى تفتح أفاقا جديدة فى التعاون الاقتصادى المشترك بينهما مثل مشروع نيوم فى البحر الأحمر، كذلك محور التنمية فى قناة السويس، والعاصمة الإدارية الجديدة وغيرها من المشروعات العملاقة التى تتضمن فرصا استثمارية وتنموية واعدة. ويمكن القول إن التعاون الاقتصادى المصرى السعودى يمثل قاطرة التنمية فى المنطقة العربية وتحويلها من منطقة تموج بالصراعات والحروب والفقر، إلى شرق أوسط جديد وصفه ولى العهد السعودى الأمير محمد بن سلمان بأوروبا الجديدة وذلك على هامش مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار التى شهدتها المملكة مؤخرا، وذلك من خلال نظرية المركز والأطراف، فالبلدان يشكلان المركز والثقل الاقتصادى الذى يمكن أن تنضم إليه دول عربية أخرى بما يقود المنطقة العربية إلى حقبة جديدة من الازدهار الاقتصادى والتقدم. لقد نجحت رشادة المملكة العربية السعودية فى التعامل مع قضية خاشقجى فى إجهاض محاولات أطراف إقليمية ودولية سعت لاستغلال وتوظيف القضية سياسيا للنيل من المملكة واستهداف الدول العربية الصلبة كما استهدفت دولا أخرى ضمن ما عرف بالربيع العربي، ووقفت وراءها أطراف لها أجندات خاصة ساهمت فى خراب المنطقة العربية، وستظل المملكة ماضية قدما فى مسار تحقيق التقدم والتطور بالتزامن مع مسار مواجهة التحديات والتهديدات التى تستهدف العالم العربى, وعلى رأسها تهديد إيران ووكلائها فى المنطقة. الشراكة الإستراتيجية المصرية السعودية راسخة وقوية وستظل كذلك دائما، فهى صمام الأمان للعالم العربى فى ظل التحديات الكبيرة والعواصف الشديدة التى تهب على المنطقة. لمزيد من مقالات ◀ د. أحمد سيد أحمد