أدت السياسة الأمريكية المنحازة لإسرائيل تجاه قضيتى القدس واللاجئين إلى تهديد استقرار اتفاقيات السلام الموقعة بين الجانبين العربى والإسرائيلي، حيث شجعت الحكومة اليمينية المتطرفة فى اسرائيل على الغاء حل الدولتين، وهو ما عبر عنه بنيامين نيتانياهو فى المؤتمر العام للمنظمات اليهودية فى أمريكا الشمالية الذى عُقد الأربعاء الماضى فى تل أبيب بأن: الحل الأفضل للنزاع مع الفلسطينيين، هو منحهم حكماً ذاتيا، دون أن يتمكنوا من تهديد أمن إسرائيل. فى حين تتزايد المخاوف من تداعيات الإعلان المرتقب لمشروع صفقة القرن، الأمر الذى دفع القيادة الفلسطينية للوقوف فى وجه مسئولى الادارة الامريكية ورفض رعايتهم للسلام، وتحكمهم بها كوسيط وحيد فى عملية السلام، مطالبة بعقد مؤتمر دولى وفق قواعد القانون الدولى والشرعية الدولية، مع الدعوة لعقد اجتماع للمجلس المركزى الفلسطينى يوم 28/10/2018 لتحديد سبل الرد على القرارات الأمريكية والإسرائيلية الأخيرة المتعلقة بالقدس واللاجئين ومنظمة التحرير الفلسطينية، حيث يعد المجلس المركزى أكبر هيئة تشريعية منبثقة عن المجلس الوطنى الفلسطينى (يتكون من أعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، ورئيس المجلس الوطني، وممثلين عن فصائل حركة المقاومة والاتحادات الشعبية والكفاءات الفلسطينية المستقلة)، فى ظل تنامى المطالب بتعليق اعتراف المنظمة بإسرائيل لحين اعتراف الأخيرة بالدولة الفلسطينية، مع البدء فى تحديد العلاقات الأمنية والاقتصادية والسياسية مع إسرائيل، تنفيذاً لقرارات المجلس الثورى لحركة فتح، مع مطالبة مجلس الأمن بتوفير حماية دولية للفلسطينيين، خاصة بعد تقديمها طلباً الى المحكمة الجنائية الدولية للتحقيق فى جرائم حرب ارتكبها قادة إسرائيليون ضد الفلسطينيين، خلال ثلاث حروب شنتها إسرائيل على قطاع غزة بين عامى 2008 و2014. وقد عكست السياسات الامريكية والاسرائيلية تداعياتها على استقرار الأوضاع الأردنية، ارتباطا بمساعى واشنطن لتجريد اللاجئين من حق العودة وتوطين معظمهم فى الاردن، مع نزع صفة اللاجئ وحصرها فقط بالعدد القليل من الفلسطينيين الذين هاجروا عام 1948، مع التلويح بإمكانية تحويل المخصّصات الأمريكية التى كانت تقدم إلى الأونروا للأردن مقابل أن يتكفل بتوطين اللاجئين، الأمر الذى رفضه الملك عبدالله الثانى تحسباً من تداعياته على الاستقرار الداخلى للمملكة، لاسيما وأن هذه الخطوة من شأنها تأجيج الوضع داخل أوساط نحو مليونى لاجيء فلسطينى يقيمون فى المملكة، ويشكلون عبئا اقتصاديا إضافيا على الموازنة العامة للدولة، فى الوقت نفسه الذى تعمدت فيه الحكومة الاسرائيلية تصعيد استفزازها للمملكة الأردنية، سواء بتجاهل دورها فى الإشراف على الحرم القدسى الشريف، رغم وجود تعهدات واضحة فى اتفاق السلام تمنحه مكانة خاصة فى موضوع القدس والحرم، فضلاً عن إهمال مشروع قناة البحرين، وإعادة إحياء أفكار الكونفيدرالية، والوطن البديل كسبل لتسوية القضية الفلسطينية. وقد جاء قرار ملك الأردن يوم 21/10/2018 بوقف العمل بملحق معاهدة السلام الاسرائيلية / الأردنية الموقعة فى 26/10/1994 بشأن تأجير أراضى الباقورة والغمر ( نهرايم ، وتسوفار)، حيث استند القرار الأردنى إلى أن إنهاء اتفاق استئجار الأراضى لايعد خرقا لمعاهدة السلام، بل هو جزء من الحقوق التى يمنحها الاتفاق شريطة إبلاغ أحد الطرفين بعدم رغبته فى تجديده قبل عام من انتهائه، ومن حق الدولتين البدء حاليا بمفاوضات من أجل عقد اتفاق جديد بشروط جديدة، وبتقديرنا فإن إثارة الأزمة بصورة علنية أفاد النظام الأردني، ومنحه رصيدًا كبيرًا على المستوى الداخلي، إلا أن المعالجات الحقيقية ستتم فى جلسات مغلقة بعيدًا عن الإعلام وستستغرق وقتًا طويلًا وستتشكل لها الكثير من اللجان.وقد يلجأ الأردن للتحكيم الدولى فى حالة مماطلة وإخلال الجانب الإسرائيلى فى إنفاذ إنهاء الاتفاق، خاصة وأن عمان لا تستطيع التراجع عن قرارها مهما تواجه من ضغوط خارجية، فالكلفة الشعبية على النظام السياسى لا يمكن تحملها بأى حال من الأحوال، الأمر الذى يتوقع معه أن تبدى إسرائيل احترامها لقرار الأردن وتسوق لذلك بالإعلام بأنه قانوني، لكن ذلك لا يعنى أنها ستتخلى عن الباقورة والغمر بهذه السهولة ومن المؤكد أنها ستحاول بشتى الوسائل تمديد تأجيرهما وستبحث عن الفرصة المناسبة لذلك. وقد لجأت إسرائيل إلى تلك الصيغة بعد رفض المستوطنين إخلاء هاتين المنطقتين أو الاستغناء عنهما، فعرضت على الأردن وضعها تحت نظام خاص لمدة 25 سنة يمنح المستوطنين حق التصرف بالأرض واستخدامها دون قيد، وقد بذلت واشنطن مساعى دبلوماسية لتفادى اتخاذ الملك لهذا القرار، فى حين جاء رد نيتانياهو بأن إسرائيل ستشرع فى مشاورات مع الأردن لفرض تمديد فترة الاستئجار، الأمر الذى وصفته قوى المعارضة داخل إسرائيل بمثابة فشل لسياسة إسرائيل الخارجية التى يقودها نيتانياهو، حيث تسببت سياسة نيتانياهو فى القضاء على إحدى طرق تسوية الخلافات، فتأجير الأراضى لا ينطوى على أهمية اقتصادية بقدر قيمته كسبيل لحل الخلافات وتجاوزها، وشق طريق لاقتراحات بديلة يمكن نمذجتها على الساحة الفلسطينية والسورية لاحقًا، ومن ثم فإن قرار ملك الأردن يأتى خصما من رصيد بنيامين نيتانياهو على المستوى الداخلي، فى ظل إمكانية إجراء انتخابات مبكرة للكنيست، ومن ثم تأثر مكانته الداخلية بمعارضة كل من الفلسطينيين والأردنيين للسياسات التى ينتهجها بالمناطق المحتلة. وبالنظر إلى قرب إعلان الإدارة الأمريكية عن مبادرتها للتسوية، والمعروفة إعلامياً بصفقة القرن وسيطرة حالة من الترقب لما ستؤول إليه جهود التسوية السياسية فى ظل رفض القيادة الفلسطينية التعامل معها، وحرص كل من روسيا وفرنسا على تقدير التأثيرات المحتملة للتطورات الراهنة على مناخ الاستقرار الإقليمي، خاصة فى ظل ماتشهده المنطقة من مقايضة بالملفات والأزمات لتحقيق مصالح القوى الكبرى على حساب الجانب العربى من ناحية، وانشغال معظم الدول العربية بما فيها السعودية بمشكلاتها الداخلية من ناحية أخري، فإن الأمل معقود على تعاون مصر والأردن فى الدفاع عن القضية الفلسطينية لتفادى تحميلهما أعباء التسوية فى إطار الحل الإقليمى كبديل لحل الدولتين، وبدء عملية سياسية جديدة تكون مرجعيتها القانون الدولى وقرارات الأممالمتحدة التى تضمن الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية. لمزيد من مقالات لواء. محمد عبد المقصود