البورصة تشارك في جلسة نقاشية حول خطط تطوير السوق وتفعيل الآليات الجديدة    الرقابة المالية تصدر ضوابط عمل لجنة حماية المتعاملين وتسوية المنازعات في مجال التأمين    20 نوفمبر 2025.. ارتفاع طفيف لسعر الدولار في بداية التعاملات: يسجل 47.47 جنيه للبيع    صحة غزة: 32 شهيدا و88 إصابة جراء عدوان الاحتلال آخر 24 ساعة    مصر ترحب باعتماد جمعية الأمم المتحدة القرار السنوي بشأن حق الفلسطينيين في تقرير المصير بأغلبية ساحقة    التخطيط تبحث تفعيل مذكرة التفاهم مع وزارة التنمية المستدامة البحرينية    إندونيسيا: إجلاء أكثر من 900 متسلق عالق بعد ثوران بركان سيميرو    إصابة 18 شخصا في تصادم سيارة نقل مع أتوبيس بالشرقية    جثة طائرة من السماء.. مصرع شاب عثروا عليه ملقى بشوارع الحلمية    ضبط 138813 مخالفة مرورية متنوعة خلال 24 ساعة    حملة مفاجئة تطيح بمخالفات غذائية وتعلن ضبط الأسواق بالقليوبية    استشاري صحة نفسية توضح سبب ارتفاع معدلات الطلاق    مواعيد الخميس 20 نوفمبر 2025.. قرعة الملحق العالمي والأوروبي المؤهل لكأس العالم    "الشباب والرياضة" تدشن "تلعب كورة" لاكتشاف 2000 موهبة في دمياط    «السماوي يتوهج في القارة السمراء».. رابطة الأندية تحتفل بجوائز بيراميدز    تذكرتي تطرح تذاكر مباريات الأهلي والزمالك في البطولات الأفريقية    بيراميدز: لا صفقات تبادلية مع الزمالك.. ورمضان صبحي يعود نهاية الشهر    جامعة قنا تدشن تطبيق "صيانة" لتعزيز التحول الرقمي    وزارة «التضامن» تقر قيد جمعيتين في محافظة الغربية    نائب وزير الخارجية يجدد دعوة أبناء مصر بالخارج للتوجه إلى صناديق الاقتراع    بشرة خير.. كشف بترولي جديد بخليج السويس يضيف 3 آلاف برميل زيت خام يوميا    نشرة مرور "الفجر".. كثافات مرورية متحركة بطرق ومحاور القاهرة والجيزة    مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبى: سنفرض عقوبات على عدد من الجهات السودانية    محمد صبحى يكشف أسباب التوسع الدولى لجامعات مصر وزيادة الطلاب الوافدين    مواقيت الصلاه اليوم الخميس 20نوفمبر 2025 فى المنيا..... اعرف مواعيد صلاتك بدقه    محافظ أسيوط يفتتح وحدة طب أسرة جزيرة بهيج بتكلفة 60 مليون جنيه    وزير الصحة يوجه بتشكيل لجنة للإعداد المبكر للنسخة الرابعة من المؤتمر العالمي للسكان    نصائح هامة لرفع مناعة الأطفال ومجابهة نزلات البرد    النزاهة أولًا.. الرئيس يرسخ الثقة فى البرلمان الجديد    سعر الريال القطرى اليوم الخميس 20 نوفمبر 2025 فى بداية التعاملات    حلقة نقاشية حول "سرد قصص الغارمات" على الشاشة في أيام القاهرة لصناعة السينما    بكين تطالب إسرائيل بالانسحاب فورا من الجولان وتؤكد دعمها لإعمار سوريا    البنك المركزي يعقد اجتماعه اليوم لبحث سعر الفائدة على الإيداع والإقراض    مواجهات قوية في دوري المحترفين المصري اليوم الخميس    حالة الطقس في الكويت اليوم الخميس 20 نوفمبر 2025    الصحة بقنا تشدد الرقابة.. جولة ليلية تُفاجئ وحدة مدينة العمال    رائد الذكاء الاصطناعي يان لوكون يغادر ميتا ليؤسس شركة جديدة    الفراخ البيضاء اليوم "ببلاش".. خزّن واملى الفريزر    اليوم.. محاكمة المتهمة بتشويه وجه عروس طليقها فى مصر القديمة    سيد إسماعيل ضيف الله: «شغف» تعيد قراءة العلاقة بين الشرق والغرب    أخبار فاتتك وأنت نائم| حادث انقلاب أتوبيس.. حريق مصنع إطارات.. المرحلة الثانية لانتخابات النواب    انتهاء الدعاية واستعدادات مكثفة بالمحافظات.. معركة نارية في المرحلة الثانية لانتخابات النواب    دعاء الفجر| اللهم إن كان رزقي في السماء فأنزله    زكريا أبوحرام يكتب: هل يمكن التطوير بلجنة؟    مستشار ترامب للشئون الأفريقية: أمريكا ملتزمة بإنهاء الصراع في السودان    أدعية الرزق وأفضل الطرق لطلب البركة والتوفيق من الله    أفضل طريقة لعمل العدس الساخن في فصل الشتاء    وردة «داليا».. همسة صامتة في يوم ميلادي    مروة شتلة تحذر: حرمان الأطفال لاتخاذ قرارات مبكرة يضر شخصيتهم    خالد أبو بكر: محطة الضبعة النووية إنجاز تاريخي لمصر.. فيديو    إطلاق برامج تدريبية متخصصة لقضاة المحكمة الكنسية اللوثرية بالتعاون مع المعهد القضائي الفلسطيني    إعلام سوري: اشتباكات الرقة إثر هجوم لقوات سوريا الديمقراطية على مواقع الجيش    دوري أبطال أفريقيا.. بعثة ريفرز النيجيري تصل القاهرة لمواجهة بيراميدز| صور    ضمن مبادرة"صَحِّح مفاهيمك".. أوقاف الفيوم تنظم قوافل دعوية حول حُسن الجوار    خالد الغندور: أفشة ينتظر تحديد مستقبله مع الأهلي    عصام صاصا عن طليقته: مشوفتش منها غير كل خير    خالد الجندي: الكفر 3 أنواع.. وصاحب الجنتين وقع في الشرك رغم عناده    مواقيت الصلاه اليوم الأربعاء 19نوفمبر 2025 فى المنيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حياة فى قلب مكتبة..
خذ الكتاب لتراك
نشر في الأهرام اليومي يوم 26 - 10 - 2018

مع نهاية العام يتجه نظر المثقف تجاه مكتبته بشكل تلقائى، يعيد ترتيب الكتب، ويذكر نفسه بقائمة من الكتب التى يود قراءتها ولم يسعفه الوقت. اختار إلياس فركوح الروائى والقاص والمترجم الأردنى الأبرز أن ينظر إلى عالم الكتب والمكتبات بنظرة شمولية تحليلية فى كتابه الأخير «خذ الكتاب لتراك»، الصادر أخيرا عن دار نشر أزمنة.
اختار المؤلف تبويبا مختلفا للكتاب، حيث قسمه إلى ثلاثة دفاتر: رفوف، وجوه، قراءات.
..................................
فى الدفتر الأول يجرد فركوح معنى المكتبة والكتاب من زوايا عديدة مدهشة: «أحد وجوه التشابه بين المكتبة والكتاب: الحذف والإضافة». يوضح أنه ليس ممن تتحقق ذواتهم بامتلاء رفوف مكتباتهم إلى حد الاكتظاظ. ويعلل: «أولسنا جميعا عرضة للتغيير المستمر، مما يعنى أن أذواقنا فى حالة تبدل دائم، وهذا ينبغى أن ينعكس على الكتب التى ننتقى...إن حالات التبدل هذه تستتبع حذفا وإلغاء واستغناء عن كتب باتت خارج سياقات مداركنا...هذا ما أطلق عليه التعشيب! تماما مثلما يقوم البستانى بانتزاع غير المفيد من الأعشاب النابتة».
ينتقل فركوح برشاقة بين تعريف وآخر للمكتبة: فى موضع آخر يكتب: لقد رأى بورخيس الجنة كمكتبة كونية هائلة، بلغات شعوب الأرض، تحكى قصة الإنسان عبر العصور. وأنا أرى الجنة عالما من الشوكولا أعيش فيه حلاوة الفضول المعرفى فى كل كتاب أقرأ صفحاته بمتعة.
فى موضع آخر، يعرف الكتاب بأنه «المرآة التى لا تكذب» فى كشف حقيقة المجتمعات المنتجة له، وتلك التى لا تنتجه، أو التى تحول دون إنتاجه، والرابعة التى تأمر بإنتاجه وفقا لما يناسبها، والخامسة التى تحظر انتشاره وقراءته بذريعة المحافظة على جميع حالات التكلس السالفة بحجة سلامة القيم الموروثة!
فى فصل آخر بعنوان الأرشيف صندوق «باندورا»، يرى المؤلف أن تقليب أوراق الأرشيف يماثل إعادة سرد حكايات أعمارنا والضحك منا أو علينا. فالأرشيف عند النبش فيه خطير فهو يفضح قصور رؤيتنا للعالم عندما ُيظهر أن كثيرا مما كنا نضعه على هامش اهتماماتنا بات اليوم محور حياتنا غير المكتمل!
يذهب المؤلف-وهو صاحب دار نشر أزمنة المعروفة- إلى أبعد من ذلك حينما يمتلك شجاعة تبنى موقف مؤيد لقرصنة الكتب: فى فصل بعنوان «شريك فى القرصنة» يقترح: القرصنة مشروعة ونظيفة وبريئة كونها تهدف إلى إفساح المجال لحيازة معرفة ترتقى بالإنسان، أولاً وأخيراً. ويبرر: ندرك جميعا أن طموح كتابنا العرب يتمثل فى أن ُتقرأ كتبهم على أوسع نطاق-فما بالك لما تتحول إلى «مواد تسرق»! كما أن ناشرا موضوعيا يعى حقيقة موقع الكتاب فى سلم أولويات المواطن العربى رهينة كل ضروب التجهيل والإفقار والعقبات الجمة أمام سلاسة توزيعه، لن يرى فى عشرات الكتب المقرصنة سببا لخسارة تذكر فى مشروعه.
ينفذ المؤلف إلى نقطة تجريد أخرى وهى المعمار: فيلاحظ بشكل مفصل أن النسبة الأكبر من مكتبات العالم ذات العراقة تتصف بمعمار يكاد يقترب من المعمار الباروكى للكنائس. وكأن ما تحويه من كتب تكاد تكون مقدسة يعبر عن قداسة التاريخ. يشير المؤلف أيضا إلى المعمار الحديث فى بعض المكتبات التى أنشئت فى قلب القرن العشرين المتسمة بغلبة الألوان الفرحة أو البياض المتخلى عن إيحاءات الغموض المقدس، وتتميز بالضوء الآتى من الخارج سامحا بامتزاج عناصر الطبيعة الحية مع الداخل الذى صار شعبيا رحبا.
فى الدفتر الثانى المعنون «وجوه» تطالعنا بورتريهات عديدة رائقة لكتاب عرب وعالميين يحتفى المؤلف بأرواحهم، حيث لعبوا دورا فى تشكيل لغته ومكتبته وينقلنا إلى عوالم جديدة من منظوره الخاص: خوان جويتسولو: الكاتب والمستشرق الإسبانى الذى عاش شبابه فى المغرب، ثم اضطر للهجرة إلى فرنسا عام 1956 وهو فى سن الخامسة والعشرين، عاش نهاية حياته بين باريس والمغرب وعرف بمناصرته للقضية الفلسطينية ومعارضته للاستعمار الفرنسى فى الجزائر. يتناول المؤلف جويتسولو، حياته وأعماله من منظور تعدد الهوية وتعدد الثقافات. إدمون عمران المليح 1917-2010، المثقف والروائى المغربى الذى لم يحظى بشهرة خارج حدود المغرب التى اضطر لمغادرتها إلى فرنسا عام 1965 إثر القمع الدموى لانتفاضة الجماهير فى أحداث مارس فى الدار البيضاء. عرف المليح بمواقفه الحادة ضد الاستعمار الفرنسى وضد دولة إسرائيل بالرغم من كونه يهوديا. فى فصل آخر يصافح وجه نجيب محفوظ ويلقى علينا بالسؤال التالي: ماذا سيتبقى من نجيب محفوظ حين نصل إلى النصف الأول من ثلاثينات هذا القرن، أى بعد مرور مائة عام على نشره لقصة «ثمن الضعف»؟. ويقدم المؤلف رؤية لوجه محفوظ من زاوية تأثير هزيمة 1967 على بناء السرد القصصى المحفوظى على حد قوله، مشيرا بأسلوب تحليلى واع إلى «تحت المظلة»، الكتاب الذى يحوى ست قصص قصيرة وخمس مسرحيات كتبت ما بين أكتوبر وديسمبر 1967 وتتسم بحسها التجريبى وفنتازيتها المتطرفة. بالإضافة إلى إضاءة فركوح لبصيرة القارئ العربى كاشفا عن أسماء ربما ليست متداولة كثيرا، يلقى المزيد من الضوء فى الدفتر الثالث والأخير المعنون قراءات: إعادة قراءة لكتابات لافتة وجديدة، منها: كأنها مزحة لفيروز التميمى التى تثير فيه تساؤلا: هل العالم مجال ثابت حقا؟ وافتراضا بأن الحياة كلها تبدو وكأنها مزحة. بيروت صغيرة بحجم راحة اليد لأمجد ناصر، الذى رصد بشجاعة حالات الخوف التى اجتاحت المثقفين العرب إزاء حصار بيروت 1982، تحليل جوهر «البطولة»، كيف يمكن للكاتب أن يكتب عن الرعب الذى يسبق الموت، تحديدا 27 تموز وقت القصف الإسرائيلى المكثف على المدينة، ونساء المدينة وقت القصف وظهورهن فى الشرفات فى ثياب النوم...هن اللواتى يعطين للحياة معنى. وجودهن إشارة على أن الحياة متواصلة رغم كل شيء». عناوين كثيرة تثير قراءتها ولع القارئ منها: الطائر المصبوغ للكاتب ييجى كوشينسكى، ستيمر بوينت لأحمد زين، سقوط السنديان لأندرية مالرو وغيرها. ما افتقدته فحسب فى هذا الكتاب الثرى هو معايشة حقيقية للمؤلف والروائى إلياس فركوح لمكتبة حقيقية.. كنت أمنى نفسى وأنا أصافح الكتاب بمشهد روائي/ تسجيلى للكاتب- المعروف بشخوصه فائقة الحيوية وحواراته الموجزة المحملة بالرموز-أعنى تسجيل زيارة لمكتبة عالمية أو حتى مكتبة صغيرة على الهامش فى ضاحية مدينة عربية. كان يمكن لهذا المشهد أن يضفى قدرا أكبر من الحيوية لمحتوى الكتاب خاصة فى دفتره الأول. إلا أن فضائل هذا الكتاب، الذى بلغت صفحاته متوسطة القطع 230 صفحة، وافرة: فهو يبدو كبوابة عملاقة ذات منافذ واسعة كل منها يفضى إلى شرفة معرفية جديدة. يبدو الكتاب كواجب ثقيل يمتد عبر عام جديد بأكمله يلزم القارئ لاكتشاف تلك الأسماء والعناوين الجديدة وإفساح أماكن جديدة لها فى قلب مكتبته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.