توجت مفوضية الأممالمتحدة السامية لشئون اللاجئين فى مطلع هذا الشهر فى حفل بمدينة جنيف السويسرية د.إيفان عطار آداحا - 52 عاما - أفضل نموذج لطبيب مهتم بالشأن الإنسانى لعام 2018 بحصوله على جائزة نانسن الدولية، والتى تبلغ قيمتها 150 ألف دولار سينفقها عطار بالكامل لتجديد وتجهيز مركزه الطبى بمدينة بونج فى ولاية مابان جنوب السودان، الذى يعد الملجأ الوحيد والأخير لنحو مائتى ألف شخص من بينهم 150 ألف لاجئ بعد اندلاع الحرب الأهلية فى بلده قبل سنوات. قام بتسليم الجائزة فيليبو جراندى المفوض السامى للأمم المتحدة، داعيًا قادة السودان للسير على خطى د.عطار لتفانيه الاستثنائى طيلة عشرين عاماً لتوفير الخدمات الصحية للمجبرين على الفرار من الصراع والاضطهاد فى السودان وجنوبه وللمجتمعات التى تستقبلهم، حيث اعتبره جراندي النموذج الأحدث فى سلسلة «الأشخاص العاديين الذين يقومون بأشياء غير عادية»، ممن يتم تكريمهم سنويًا والحصول على الجائزة التى تحمل اسم أول مفوض سام لشئون اللاجئين، المستكشف النرويجى فريدجوف نانسن، وذهبت من قبل إلي: إليانور روزفلت، وجراسا ماشيل، ولوتشيانو بافاروتى وأبطال بارزين ومجهولين آخرين. يشغل د.عطار منصب المدير الطبى ورئيس قسم الجراحة والجراح الأوحد فى مستشفى بدائى وحيد بعد الهجمات على مجمعات ومكاتب المنظمات الدولية بما فى ذلك مفوضية الأممالمتحدة لشئون اللاجئين التى تتعهد ومجموعة من الشركاء بدعم د.عطار، وخصوصا بعدما أجبر العاملون فى المجال الطبى على مغادرة المنطقة وإصرار د.عطار على البقاء مع فريق محدود من الأطباء فى منطقة معدومة الخدمات تبعد 600 كم عن العاصمة جوبا. يقوم د.عطار بفريقه المحلى المحدود بإجراء عشرات العمليات الجراحية يومياً، يجرى منها عطار وحده نحو 10 عمليات لأشخاص تعرضوا لطلقات نارية أو لمرضى الملاريا والأطفال حديثى الولادة، بدون توافر أبسط العقاقير من مخدرات الجراحة أو جهاز أشعة، أو غرفة عمليات مجهزة، وبدون كهرباء أحيانًا فى حال تعطل المولد الكهربائى المتهالك. تلقى د.عطار، من بلدة توريت جنوب السودان، فى مطلع شبابه منحة لدراسة الطب فى الخرطوم، ثم انتقل بعدها إلى مصر لتلقى التدريب اللازم، قبل أن يعود ثانية إلى السودان، ويقرر فى عام 1997 الانتقال متطوعًا إلى كورموك فى ولاية النيل الأزرق قبل أن يدمرها النزاع لعلاج الجرحى من المدنيين والمسلحين من الطرفين فى مستشفى لا يضم سوى طاولة العمليات، مما اضطره لاستخدام الخيوط العادية للجروح القطعية، والاستعانة بما لديه من معدات البتر وأجهزة التعقيم التى سبق له تلقيها كهدية من طبيب فرنسي. فى جنوب السودان، يعرف الجميع د.عطار الذى تفرغ لتطبيب وخدمة اللاجئين وأبناء وطنه الذى استقل عام 2011، وضربته الحرب الأهلية عام 2013، التى نتج عنها تشريد 4 ملايين شخص ومعاناتهم حتى اليوم. فى عام 2011، وفى ظل تداعيات الانفصال والعنف المتزايد، خرج عطار مع فريقه ومعداته وأدويته فى رحلة استغرقت شهرًا بصحبة عشرات الآلاف من السودانيين الذين فروا عبر الحدود إلى مابان، التي لم تكن تضم سوى مركز صحى مهجور فى بونج أقام به د.عطار أول غرفة عمليات متواضعة مستخدما الأبواب القديمة لإقامة منصة مرتفعة للعمليات الجراحية، فى الوقت الذى عمل فيه على تأمين التمويل وتدريب الشباب على مهام المعاونة الطبية. يقوم د.عطار بمهمته الاستثنائية بمعزل عن أفراد أسرته المقيمة فى العاصمة الكينية نيروبي، حيث يلتقيهم مرتين أو ثلاث مرات سنويًا، مكتفيا بالتواصل مع أبنائه الأربعة عبر الإنترنت، مواصلًا العمل بدون أجازة أسبوعية على علاج الجميع بغض النظر عن هويتهم. أما بيت عطار فهو عبارة عن خيمة منصوبة فى العراء ولا مكتب له، مكتفيًا فى الأيام الحارة بالاستلقاء عصرًا على سرير من أعواد النخل للاستمتاع بقيلولة سريعة. ولا يكف د.عطار على الرغم من صعوبات العمل عن الغناء بالعربية والإنجليزية وترديد ترانيم فى كنيسته التى يرتادها يوم الأحد، كما يشارك مرضاه الصلاة والدعاء تبعًا لديانتهم فهو يحفظ آيات من القرآن والإنجيل، ويحتفظ بروح دعابة مع المساعدين والمرضى والجرحى متنقلا فى خفة بين أم أجرت جراحة قيصرية وشاب مبتور الذراع وأخرى تحاول المشى بعد كسر أصاب ساقها أو أخرى تسأل عن تنظيم الأسرة. بعد الجائزة، ارتفعت أسهم استمرار د.عطار فى عمله لسنوات قادمة واستحالة فكرة التقاعد أو تخليه عن مهمته الإنسانية من أجل خدمة من يحتاجونه بغض النظر عن انتمائهم.