خضرة، حسن، عمى سالم وغيرها من العرائس لا تبالى بالخيوط المتصلة بأطرافها وتترك أجسادها تتدلى بحرية على جدران ورشة صانعها، لا ترفع أعينها من عليه وتراقبه فى صمت منتظرة أن تكتمل ملامح الشخصية الجديدة التى سوف تنضم إليها. لا مجال هنا للغيرة، فهى تعلم أن مصممها فى قلبه متسع للجميع مهما يكن عددها، فكل عروسة يصنعها تصبح قطعة منه، يعطيها اسما وشخصية وكيانا ولا يتنازل عنها أبدا. «عندما أصنع عروسة لغيرى، لا أعطيها اسما ولا أحاول أن أتعلق بها من البداية لأني أعلم أنها ليست لى»، هكذا يعبر محمد بكار «عاشق العرائس» عن ارتباطه بعرائسه.. أتى من الواحات ليدرس الفنون التطبيقية فى القاهرة فوجد نفسه غارقا فى حب العرائس فآمن بها وقرر أن يهب لها حياته فبادلته حبا بحب. قبل التحدى، فصناعة وعروض العرائس لا تعتبر مصدرا كافيا للدخل وأسعار الخامات فى ارتفاع مستمر، ومع ذلك لم تطرأ على رأسه فكرة التخلى عن شغفه ولو للحظة حتى بعد أن أصبح رب أسرة، بل بحث عن بدائل للخامات أقل تكلفة ووجد لنفسه طرقا مبتكرة للتسويق وأصبح يصنع العرائس لتقدم كهدايا أو لتشارك بعروض فى الأعراس والحفلات.. لا ينتهى من صناعة عروسة حتى يكون قد بدأ فى أخرى، ولا يكرر نفس العروسة فى شخصيات وأثواب عدة، فلكل عروسة شخصيتها المستقلة.. يداه ممسكتان دائما بخيوط أو ملطختان بعجين الورق أو بالألوان.. ومن الطبيعى أن نراه يتبادل الحديث مع عرائسه، فقد وضع فيها جزءا من روحه، يحترمها ويشعر على الفور بأى خلل قد يطرأ على أدائها من خلال لغة خاصة بينهما.