طابور العابرين من سيناء إلى الإسماعيلية فى الرابعة عصر الخميس الماضى امتد لأكثر من 200 سيارة، 55أمام سيارتى والبقية خلفي، حارة «العمليات» أولا ثم حارة الطوارئ، وبعدنا طابور النقل الثقيل لم يتحرك منذ ثلاثة أيام، طابورى يتحرك 3 أمتار كل عشرين دقيقة، يضم السيارات نصف النقل والملاكي، دخلته لحظة أذان العصر، فتمنيت الصلاة على الشاطئ الآخر بعد خمس دقائق، لكنى تأخرت 5ساعات، تعليمات الانتظار حاسمة :لاتغادر السيارة، لا تطمع فى أكل أو شرب فلا وجود للخدمات ، تكيف الأهالى بالفطرة لعذاب التفتيش اليومى منذ بدأت العملية «سيناء 2018» لأن أمنهم وأمن الوطن أولوية قصوي، ولأنهم يلمسون العمل يجرى بهمة فى الأنفاق تحت الأرض، وأطل النفق برأسه منذ أيام على وش الأرض قبالة قرية التقدم، طال انتظارى فكسرت الملل بالقراءة فى كتاب هيكل «أكتوبر 73 السلاح والسياسة» الذى اصطحبته لمثل هذه الظروف، تابعت فى تليفونى المحمول حركة سفر «عزيز» من جنوا بإيطاليا إلى شتوتجارت بألمانيا وبعد ساعة ترانزيت اطمأن قلبى لوصوله إلى النمسا، تحركت بسيارتى 20 مترا خلالها، استمعت من راديو السيارة لجانب من الندوة التثقيفية وخطاب الرئيس السيسي، أعجبنى أنه انسانى من القلب بلا ورقة، وأن نصر أكتوبر تم بروح التحدى وأقل الامكانات هزمنا الخصم، وأجبرناه على السلام وقادرون أن نهزمهم كل مرة، بكيت مع شريفة فاضل عندما غنت «أنا أم البطل». دخل الليل، طويت الكتاب بعد أن قرأت فصلا كاملا عن يوميات الحرب كما رواها هيكل، وعندما وصلت لنقطة التفتيش فى التاسعة والنصف ليلا لفت الكتاب نظر جندى التفتيش، قال إنه خريج اقتصاد «انجلش»، وأعجبه فيه رصد الأستاذ للأحداث مصحوبة برؤيته وبراعة سرده، بعد اجتيازى أول كمين انحدرت بسيارتى جهة الكوبرى الذى يمتد دون توقف كما يحدث فى النهار حين يجرى التفتيش قبل كل عبور للقناتين، سألنى الضابط بابتسامة وهو يتفحص بطاقتى ورخصة السيارة: ما رأيك فى كوبرى أحمد منسي، رددت بغضب على الفور: لا يليق بشهيد، فاستغرب الرجل وإن لم يسلبه ردى ابتسامته وصبره، فأكملت: أحمد منسى وأمثاله من الجيل الجديد فى عنقود «أبطال ضد التخلف والهمجية» ضحوا بأرواحهم لكى تنطلق مصر بأمان للأمام، لا لكى نعبر 500 متر فى 6 ساعات، وقد عبرها أبطال أكتوبر تحت نيران العدو فى ربع ساعة، ابتسم وهمس لى بسر عسكرى خطير لا يعرفه إلا الفريق مميش: أن «الرجل الكبير» سيفتتح النفق خلال ساعات، وأن إجراءات الأمن الزيادة اليوم وراءها ترتيبات الافتتاح والحرص على سلامة الناس، أنستنى ابتسامة الضابط ومنطقه والخبر السار الذى خصنى به كل عذابات الانتظار، وحولت عبورى شوارع الاسماعيلية فى الظلام إلى مغامرة مثيرة، أمسكت بداية طريق القاهرة، شعرت أن السفر ليلا عبر شبكات الطرق العصرية صار سياحة ممتعة، أمسكت عجلة القيادة وسرحت فى موضوع المقال القادم، قررت الكتابة عن أوجاع عبور أكتوبر 2018، ليعرف الناس حجم المعاناة التى سيقضى عليها افتتاح أول أنفاق الأمل «خلال ساعات»..ألم يتحدث الرئيس عن أوجاع الهزيمة ليعرف الناس حجم معجزة الانتصار؟ عند البوابات انقلب منتصف ليل الصحراوى إلى ظهر؛ استعدت فى ذاكرتى يوميات هيكل، ووجود اللواء حسنى مبارك قائد القوات الجوية فى قاعدة المنصورة لحظة الهجوم عليها بعشر طيارات فانتوم سقط منها 6 وأسر طياران للعدو، أصر مبارك على استجواب الأسير الأول بنفسه، وقال له: راقبت طريقة عمل تشكيلكم من مركز القيادة فى القاعدة التى حاولتم تدميرها بغاراتكم وأدهشنى كمية الأخطاء التى وقع فيها طيارو إسرائيل، ماذا جرى لكفاءتكم يظهر انكم «خبتم»؟ فرد عليه الطيار الإسرائيلى نحن لم نتغير بل أنتم من تغير! فى مثل هذا اليوم 16أكتوبر 1973 كان السادات يستعد لخطابه الأول خلال الحرب بمجلس الأمة، وحين وصله تقريرعن استجواب مبارك لطيار الفانتوم الأسير، ضحك من قلبه، ثم عاد لقراءة بروفة خطابه الذى كتبه هيكل، كان يقرأ بصوت عال يتدرب على السياق والألفاظ وإيقاع الكلمات والعبارات التى تحمل رسائله للعالم ورده على «البرجسة» التى شنتها دبابات شارون الضالة فى الدفرسوار، وادعاء جولدامائير أن جنودها يخوضون معارك شرسة غرب وشرق القناة، وبدء الجسر الجوى الأمريكى بمد إسرائيل بأحدث الأسلحة والمقذوفات المحرمة، اعتزمت ختام المقال بالإعجاب بواقعية السادات وفصاحة لغته وشجاعة قراره وهو يوجه «رسالة سلام إلى نيكسون، لا يمليها الخوف ولا الضعف ولكن تصدرعن ثقة وقوة ورغبة فى صون الوفاق».. لولا السادات وبسالة جيشنا ما كنت أختار اليوم بين العودة إلى منزلى بمدينة 6 أكتوبر أو زيارة الأهل فى مدينة العبور!. لمزيد من مقالات أنور عبد اللطيف