تعقد دار الإفتاء المصرية مؤتمرها العالمى الرابع تحت مظلة الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم بعنوان «التجديد فى الفتوى بين النظرية والتَّطبيق» فى الفترة من (16 - 18) أكتوبر الحالي، وذلك فى إطار المحاولات الحثيثة التى تبذلها الأمانة العامة لتصحيح الوعى العام للأمة الإسلامية فى قضية الفتوى الشرعية وأهميتها وخطرها وضوابطها وضرورة صدورها من المتأهلين وتصحيح المسار نحو المعاصرة والتطور والتجديد مع المحافظة على ثوابت الدين. ويؤكد الدكتور إبراهيم نجم مستشار مفتى الجمهورية، أمين عام الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم، أن المشاركين فى المؤتمر يمثلون بانوراما عالمية تصنع مزيجًا يقدم رؤية تتناسب فى أفقها العام مع النظرة الوسطية التى تحملها الأمانة، حيث يجمع المؤتمر مفتين وعلماء من نحو 70 دولة، لمناقشة إشكاليات وآفاق العملية الإفتائية، خاصة أن الشريحة المستهدفة هم الممارسون لهذه العملية، وهم المفتون وأعضاء المجامع الفقهية، ويضم المؤتمر علماء من: فلسطين، والسعودية، والبحرين، والإمارات، واليمن، ولبنان، وعمان، والأردن، والعراق، والجزائر، والمغرب، وموريتانيا، والسنغال، وأوغندا، والكاميرون، وزامبيا، وكينيا، وجيبوتي، وأمريكا، وإندونيسيا، وماليزيا. وأوضح أن المؤتمر سيناقش، خلال فعالياته قضية من أهم القضايا التى تناقش اليوم وهى قضية التجديد، لكنها ستناقش هذه المرة فى ضوء الفتوى الشرعية من ناحية التنظير الذى يبدأ من استنباط الأحكام من الأدلة الشرعية، ومن ناحية التطبيق الذى يكون شكله النهائى فى صورة العلاقة بين المفتى والمستفتي، وقد شمل المؤتمر عدة محاور، أولها: الأصول المنهجية فى الفتوي، وسوف يناقش تحت هذا العنوان ماهية التجديد فى الفتوي، حيث تحير الباحثون المعاصرون فى قضية التجديد ما هي؟ وما المقصود منها؟ ما حدودها، ما هى مجالات التجديد بين الثابت والمتغير؟ وهل تستطيع الأمة أن تستكمل طريقها نحو الحضارة بلا تجديد للخطاب الديني، خاصة فى مجال الفتوي؟ ثم تأتى القضية الأخرى تحت نفس المحور فيما يتعلق بالمعايير المعتبرة عند العلماء فيمن يتصدى لشأن الفتوى موقعا عن رب العالمين تبارك وتعالي، حيث تعالت الأصوات الآن بضرورة تقييد الفتوى فى إطار تخصصى وعدم ترك الناس نهبا لكل من يرى فى نفسه أهلية التصدر دون حسيب أو رقيب، مما نتج عنه أسوأ الأثر فى إحداث دوامات من الفوضى العارمة تحت عنوان فتاوى شرعية صدرت من هواة غير متخصصين، لذلك أصبحت مسألة الاهتمام بالمعايير أمرا لا يمكن إهماله مهما بذلت المؤسسات الدينية فيه من جهد وعطاء، فهو فى النهاية الضمانة الوحيدة لانضباط الفتوى وسلامتها، أيضا ينبثق من هذا المحور تفعيل دور الاجتهاد الجماعى المؤسسى الذى يستند إلى مبدأ تضافر الجهود وتناغمها بين عدد من التخصصات التى تحتاج إليها الفتوى خاصة مع تسارع حركة الحياة وتعقد الواقع، حيث لم تعد الفتوى مقصورة على قضايا الطهارة والعبادات والأحوال الشخصية، بل تعدى الأمر هذا ليشمل قضايا السياسة والاقتصاد والاجتماع وكل مناحى الحياة. ويشير د. نجم إلى أن المحور الثانى للمؤتمر، يبحث ضوابط الإفتاء فى قضايا حقوق الإنسان، حيث تعالت أصوات مغرضة تربط بين انتهاكات حقوق الإنسان من الجماعات المتشددة وخاصة فى قضايا المرأة وحرية المعتقدات وحرية الممارسات والشعائر الدينية وحق التعبير وحرية الرأى بالإسلام، ولم يأت هذا الربط إلا نتيجة للممارسات المتطرفة التى تمارسها الجماعات المتشددة من قتل وحرق وتدمير باسم الإسلام، ولم يميز البعض بقصد أو بغير قصد بين ممارسات هذه الجماعات الضالة وبين تعاليم الإسلام السمحة، أيضا أسهمت عملية الاجتزاء المشوه لنصوص فقهية وتراثية قديمة انتزعت من سياقها التاريخى والإنسانى والثقافى والحضارى لكى تحاكم إلى مفاهيم حقوق الإنسان والحريات فى القرن العشرين، وهذا الاجتزاء تسبب فى تشويه التراث الفقهى ، ومن ثم فإن ضبط الفتوى وفق معايير حقوق الإنسان أصبح أمرا فى غاية الأهمية، والضرورة. أما المحور الثالث فيتناول ضوابط الإفتاء فى المستجدات الطبية المعاصرة، حيث ينتشر الآن كثير من القضايا الطبية التى تحتاج إلى اجتهاد معاصر كمسألة القتل الرحيم، والموت الدماغي، ومفهوم الحياة والموت فى الإسلام، وقضية حقوق الجنين، وتقنية استخدام الخلايا الجذعية فى علاج الأمراض المستعصية، وقضايا الهندسة الوراثية، حيث تتنازع هذه القضايا خلافات فقهية حادة بين المعايير المعاصرة ومعايير الدين والأخلاق التى لا تتعارض مع تحقيق الصحة والسلامة للناس، وفى نفس الوقت تتقيد بالضوابط والثوابت الشرعية التى أنزلها الله فى كتابه خاصة فى أخطر القضايا المتعلقة بمسألة الحياة والموت وفلسفتهما فى الإسلام. ويناقش المؤتمر فى المحور الرابع ضوابط الإفتاء فى المستجدات الاقتصادية المعاصرة، حيث تطورت المفاهيم المتعلقة بالاقتصاد، وأصبح العالم الاقتصادى حول العالم شبكة مترابطة من البنوك والمؤسسات والبورصات والشركات العابرة للقارات وأصبح الاقتصاد الإسلامى جزءا لا ينفك عن منظومة الاقتصاد العالمي، حيث نشأت أنواع من المعاملات الحديثة المرتبطة بكثرة وشيوع أنماط وصور جديدة للتعامل عبر الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعى كالتسويق الشبكى ومعاملة الفوركس وتداول الأوراق المالية، وكذلك أصبحت قضية المعاملات المالية بين الفقه التراثى والفقه المعاصر من أهم القضايا التى تحتاج إلى بحث، إضافة إلى القضايا الاقتصادية الحديثة التى يطرحها المؤتمر ويناقشها من خلال أبحاث علمية معمقة لعدد من المتخصصين فى مجالى الاقتصاد والشريعة. وأما المحور الخامس فيتناول ضوابط الإفتاء فى قضايا الشأن العام والدولة، ويشتمل على مفهوم الدولة فى الإسلام وعلاقته بالفتوي، وقواعد الإفتاء فى القضايا السياسية وشئون الدولة، والإفتاء ودعم الاستقرار فى أمور الدولة، وتأثير فتاوى الإسلام السياسى على مسارات الأمن، وكذلك قضية الإسلام والعلاقات الدولية.