مرور ما يزيد على مائه وعشرين عامًا على سيره لأول مرة على أرض الإسكندرية، جعله أحد المعالم الرئيسية للمدينة الساحلية؛ فبجانب قلعة قايتباى ومسجد المرسى أبو العباس ومكتبة الإسكندرية، أصبح الترام الأصفر معبرًا عنها، ولم يعد مجرد وسيلة نقل ركاب كما يستخدم فى مدن أخرى وإنما وسيلة للتنزه خاصة فى الأحياء القديمة. وقد سلطت جولة الدكتور عبدالعزيز قنصوة، محافظ الإسكندرية، التفقدية لمشروع إحلال وتجديد سكة ترام رأس التين بمنطقة الأنفوشى، الضوء من جديد على هذا المرفق الحيوى ، وضرورة تجديده وتطويره بين الحين والآخر للحفاظ عليه. وقد استفسر “قنصوة” عن أسباب تأخير الانتهاء من المشروع والذى كان من المقرر له أول أغسطس الماضي، مشددًا على مسئولى هيئة النقل العام الانتهاء منه خلال أسبوعين وإلا سيعاقب المقصرين وتوقع الجزاءات اللازمة على المقاولين المنوط بهم تنفيذ الأعمال. وأكد “قنصوة” تكليف مهندسين مختصين لاختبار الخامات المستخدمة فى تنفيذ الرصيف الخاص بالقضبان، ومراجعة مناسيب وارتفاعات بيارات الصرف الصحى بطول المسار لتكون مطابقة للمواصفات القياسية، مكلفًا مسئولى هيئة النقل العام بتخصيص وتنفيذ أماكن بطول المشروع لعبور المواطنين وتكون المسافة بين منطقة العبور والأخرى 150 متراً، ووضع علامات استرشادية مضيئة للطريق على جانبى خط الترام، قائلا “حماية أرواح المواطنين وممتلكاتهم مسئوليتنا جميعا، ولن أسمح بأى تقصير تجاههم”. ومن جانبه، يقول اللواء خالد عليوة، رئيس هيئة النقل العام بالإسكندرية، إن الهيئة تعمل على تطوير هذا المرفق كونه يمثل وسيلة أساسية لشريحة كبيرة من المواطنين خاصة محدودى الدخل، حيث يقوم بخدمة تنقلات قاطنى أحياء مدينة الإسكندرية القديمة ذات الكثافة السكانية العالية ويخدمها 119 قطارا بطول 28 كيلو مترا (سكة مزدوجة). ويضيف “عليوة” فى تصريحات خاصة ل”الأهرام”، إن “الترام الأصفر” مازال يشهد إقبالا من الركاب على الرغم من وجود وسائل نقل أخرى، حيث يقارب عدد الركاب يوميًا 50 ألفا، والسبب فى ذلك يرجع إلى أنه يُعد أقل تعريفة ركوب مقارنة بوسائل النقل الأخرى، إذ يبلغ سعر التذكرة خمسين قرشًا فى العربة العادية، وجنيها واحا للعربة المميزة، بالإضافة للتذكرة المجانية لذوى الاحتياجات الخاصة وفاقدى البصر مع خصم 50٪ لمرافقيهم. ويؤكد “عليوة” إن الهيئة رفعت كفاءة 58% من الأسطول الموجود حاليًا، وقامت باستيراد سيارتين لأعمال الصيانة والإصلاحات للشبكة الكهربائية وسيارة لأعمال صيانة السكة، موضحًا أنه جار توريد 15 عربة تراما مكيفة من أوكرانيا، بالإضافة إلى العمل على عزل بعض المسارات، والاستمرار فى رفع كفاءة الورش والوحدات. ويشدد “عليوة” إن الهيئة تسعى إلى تحسين وتطوير منظومة النقل فى المدينة بشكل عام لتغطية الاحتياجات المتنوعة للتنقل لجميع المواطنين بكافة مستوياتهم الاجتماعية. ويشير رئيس الهيئة، إلى الاعتماد على الطاقة البديلة النظيفة سواء الكهرباء أو الطاقة الشمسية، والبدء فى إجراءات تطبيق التذكرة الإلكترونية والربط الإلكترونى بين إدارات الهيئة لإمكانية إعداد قواعد للبيانات، بالإضافة إلى استكمال شبكة خطوط الترام وإدخالها فى مناطق جديدة. نشأة الترام وكانت بداية الترام فى يناير عام1896 حينما صدر قرار من المجلس البلدي بتسيير بعض خطوط الترام الكهربائى ، وأنشئت شركة بلجيكية لتشغيله باسم شركة “ترامواى الإسكندرية”، حيث قامت مع ظهور الترام الكهربائى فكانت السبّاقة إلى استخدامه. وبدأت الشركة برئاسة المسيو دوجاه، فى مد الأسلاك الكهربائية من سبتمبر1896، وأقيم الاحتفال بتسيير العربات الأولى فى 11 سبتمبر 1897 بحضور الخديو عباس حلمى الثاني، وكانت المحطة الرئيسية فى مينا البصل أمام مبنى بورصة القطن، حيث يتفرع منه ثلاثة خطوط، يصل أحدها إلى ميدان المنشية الصغر، يصل الثانى إلى منطقة المكس، والثالث يبدأ من شارع الميدان بميدان المنشية، ومنه يصل خط رابع إلى منطقة الجمرك . ويوم الافتتاح اجتمع جمهور واسع من الناس فى شارع المنشية الصغرى ، وأوقفت خمس عربات كهربائية لحمل المدعوين، وأعدت عربة مزينة بالأزهار لركوب الخديوي، وفى الساعة الخامسة حضر فنزل ورحب بمستقبليه، وبعد ذلك استقل الخديو العربة المعدة له وسارت، وتلتها بقية العربات تقل المدعوين وصولًا إلى المكس، وبعد ذلك عاد إلى المخزن العام بكرموز، حيث افتتح الخديو المأدبة التى أقيمت هناك. وبدأت خطوط الترام تمتد إلى دوائر أخرى عديدة ربطت ما بين الضواحى وقلب المدينة، مما أثر على اتجاهات العمران بالمدينة، وأصبح الأساس لشبكة الطرق بالمدينة، التى ما زالت تعتمد على غالبيتها حتى الآن. وتنازلت شركة “ترامواى الإسكندرية” إلى شركة “سكك حديد الإسكندرية والرمل” عن إدارة خطوطها فى 11 يونيو عام1912، لتصبح تلك الشركة هى المسئولة عن نقل الركاب بالترام، وفى إبريل عام 1946انتهى عهد الشركة وتولت بلدية الإسكندرية إدارة المرفق، حتى تأميمه عقب ثورة يوليو 1952. ومازال الترام الأصفر يحمل ركابه فى رحلات دورية بين أزقة ودروب الإسكندرية .