لم يسجن طبيب بموجب القانون رغم استمرار إجراء العمليات.. وتغيير الفكر يبدأ من كليات الطب مدير إستراتيجية مناهضة الختان: أنشطتنا معلقة منذ بداية العام وأخشى العودة لنقطة الصفر ممثل مجلس السكان الدولى فى مصر على الإعلام طرح القضية باستمرار وتجنب التضارب فى الآراء المعروضة
«أنا عملت اللى يمليه على ضميرى كطبيب مسلم.. ده انحلال والسكوت عليه هو اللى مودينا فى داهية».. كلمات جاءت على لسان شخصية طبيب فى فيلم «أسرار البنات» ، ضمن حوار مع زميل له يعنفه بسبب إجرائه لعملية ختان لفتاة دخلت المستشفى لولادة طفل دون زواج، إذ رأى أن عدم ختانها هو السبب وراء «انحرافها الأخلاقي»، وعندما حاججه زميله بأن هناك قرارا لوزارة الصحة بمنع تلك العملية وضرورة الإبلاغ عن فاعلها ، رد هازئا: «الدين واللا وزير الصحة»؟! اليوم وبعد مرور 17 عاما على إنتاج هذا الفيلم، تصدمنا دراسة صادرة مؤخرا عن مجلس السكان الدولى ،ضمن برنامجه البحثى للتخلى عن ختان الاناث، جاء فيها أن 65% من الفتيات المصريات اللاتى خضعن للختان( من 13- 17 سنة) تم ختانهن على أيدى أطباء، وهو ما يسمى علميا «تطبيب الختان». الدراسة كشفت أيضا عن أن حملات التوعية ضد ختان الإناث لم تهتم فى رسائلها بالرجال والشباب بالقدر الكافي، على الرغم من دور الأب المؤثر فى اتخاذ قرار الختان.
«هناك كارثة فى مصر اسمها تطبيب الختان».. هكذا بدأ د.عمرو حسن- مدرس واستشارى أمراض النساء والتوليد فى طب قصر العينى - حديثه، متوقعا أن تتجاوز النسبة على أرض الواقع ما ورد فى الدراسة. د. عمرو أرجع ذلك الى مضمون الخطاب الذى استخدم للتوعية ضد ختان الاناث، والذى كان يركز على المشكلات الصحية المترتبة على إجراء العملية على أيدى غير المتخصصين ،من نزيف أو عدوى وغيرهما، فكان البديل أن لجأ الاهالى إلى الأطباء. يتابع عمرو: بدأت بعض «الأخوات» التابعات «للجمعيات الخيرية الاسلامية» بنصح الأمهات بختان بناتهن على أيدى طبيبات مسلمات ثقة، لتجنب التبعات غير المرغوب فيها. أما السبب الثانى فهو ما تم ترويجه من قبل بعض الأطباء أنفسهم بأنه ليس كل الفتيات بحاجة إلى ختان، وهو ما يحدده الطبيب، الأمر الذى فتح الباب على مصراعيه أمام ظاهرة التطبيب، وغالبا ما يتم عرض البنات على طبيبات أو أطباء تابعين لتلك الجمعيات «الاسلامية» ويكون الرد :«بنتك محتاجة ختان»!». مع ذلك والكلام للدكتور عمرو: لا يقوم كل الأطباء بإجراء تلك العملية لأنهم مقتنعون بضرورتها الدينية أو بدافع «حماية البنات المسلمات من الانحراف»، وإنما لزيادة دخلهم المادى بالاساس. لكن ما يجمعهم فى الغالب هو الانتماء لخلفية اجتماعية وثقافية معينة، وفى الغالب يتواجدون فى المناطق الريفية. «القانون وحده لا يكفي»..هكذا يجزم مؤسس حملة «أنت الأهم» ويبرر قائلا: «صحيح أنه تم تغليظ العقوبة منذ عامين ، واعتبار إجراء عملية ختان لأنثى جناية بدلا من كونها جنحة، وهو ما يجعل الحبس وجوبيا للطبيب، إلا أن المشكلة أنه لن يعاقب طبيب بموجب هذا القانون إلا إذا ماتت الضحية، هنا فقط سينكشف أمره، وحتى الان لم يسجن طبيب رغم أن مئات العمليات تجرى يوميا ولا أحد يعلم عنها شيئا. وفى إحدى الحالات التى ماتت فيها فتاة مؤخرا قام الطبيب بدفع دية لأهلها ولم يسجن». ويتابع: «تغليظ العقوبة أمر جيد ورادع للاطباء، لكن تظل الحلقة الاولى هى الأهم والمتمثلة فى الأمهات والآباء، فلو انتفت الرغبة لدى الأهل فى ختان بناتهن لن يذهبوا للطبيب من الأساس». د. عمرو نبه إلى ضرورة مراقبة القنوات الدينية ،لأنها لا تزال تروج للختان من خلال شيوخ الدعوة السلفية، كما يجب التركيز فى الحملات الاعلامية على الرد بأسلوب علمى على الخطاب الذى يروج لفكرة انتشار الانحراف والانحلال فى المجتمع إذا ما تم منع ختان الاناث، مشيرا إلى أنه لا يوجد أى شيء يتم تدريسه من قريب أو بعيد عن تلك «العملية» فى مناهج كليات الطب، بل لا يوجد شيء علمى اسمه ختان وإنما يعرف علميا ب«تشويه الاعضاء التناسلية للأنثي»، وما يقوم به الأطباء الذين يجرون تلك العملية اجتهاد شخصى منهم. القانون لم يغير الفكر د.محمد ممتاز- رئيس أقسام النساء والولادة فى طب قصر العينى سابقا- أرجع زيادة نسبة «تطبيب الختان» إلى اختفاء «الداية» من الريف، فكان البديل هو الطبيب، وهؤلاء الأطباء الذين يجرون العملية ينقسمون إلى نوعين: الأول يرى أنها عادة ولا ضرر منها ، أما الثانى فيرى أنها إلزامية من الناحية الدينية وواجب عليه شرعا أن يجريها. يتابع د. ممتاز: «القانون جيد لكنه لم يغير فكر الأطباء، فلا توجد أى مناهج أو مقررات يتم تدريسها لطلبة كلية الطب فى هذا الشأن، صحيح كانت هناك محاولات لعمل محاضرات عامة ،لكنها غير ملزمة للطلاب، وبالتالى يجب إدراجها ضمن المنهج ويتم من خلالها التركيز على أضرار تلك العادة على المدى القصير والبعيد، والتأكيد على أنها مجرمة قانونا، ولا يؤيدها الشرع وفقا لفتوى دار الإفتاء والأزهر، ونفى أى صلة بينها وبين الإسلام. د. ممتاز أشار إلى أنه لا تزال بعض الأمهات يسألنه عن إمكانية إجراء تلك العملية ، فيؤكد لهن أنها عادة خاطئة ومضرة، منهن من تقتنع، لكن البعض يبحث عن طبيب آخر، ومادمن سيجدن طبيبا يوافقهن على رغبتهن، لن تنتهى العادة، فيجب أن يكون الطريق الطبى مغلقا تماما أمامهن . نجاة 40 % من الفتيات فيفيان فؤاد- مدير الاستراتيجية القومية لمناهضة ختان الإناث التابعة للمجلس القومى للسكان- رفضت ما جاء فى الدراسة بخصوص تركيز حملات التوعية التى تم إعدادها على النساء واستبعاد الرجال، ودللت على ذلك بأحد المشاهد التمثيلية فى حملة «كفاية ختان بنات» تضمن حوارا بين أم وأب حول قرار تختين ابنتهما، وبعد الاتفاق على إتمامه، يسترجع الأب كل الرسائل التى تعرض لها بشأن عدم علاقة تلك الممارسة بالدين ، وأن أخلاق الفتاة مرتبطة بالتربية الجيدة، فيتحرك لإنقاذ ابنته فى اللحظة الاخيرة. إذن فالأب هنا هو البطل، وإن كانت فيفيان تعترف بأنه وفقا لآخر مسح صحى سكانى أعلنت نتائجه فى عام 2014 ، اتضح أن نسبة الرجال الذين يؤيدون ختان الإناث أعلى من النساء ولكن ليس بفارق كبير( 56% للرجال مقابل 52% للنساء) . تتوقع فيفيان أن تنخفض النسبة فى المسح السكانى لعام 2018، ومع ذلك لا تنكر ضرورة تركيز الحملات الجديدة على الآباء والشباب الذكور ، فتقول: «فى النهاية يظل ختان الإناث ممارسة ذكورية بالأساس، رغم أنه يبدو شأنا نسائيا يترك للأمهات، لكن يجب أن يكون للأب دور فى منع تلك الجريمة، وعليه أن يدرك أنه مسئول عن أى ضرر قد يصيب ابنته». الأمر الثانى الذى ترى ضرورة التركيز عليه فى الحملات هو نفى أى صلة بين تلك العادة والدين ، وبسؤالها عن الوضع بالنسبة للأسر المسيحية المصرية، أشارت فيفيان إلى أنهم يختنون بناتهم بالفعل خاصة فى المناطق الريفية، لكن المشكلة أن بعض أنواع الخطاب الدينى الإسلامى يشكل ضغطا أكبر خصوصا أنه يأخذ منحى سياسيا من خلال تيارات الإسلام السياسى ، وخاصة بعد عام 1994 عقب المؤتمر الدولى للسكان والتنمية، حيث تم الترويج لفكرة ( لا تزال مستمرة حتى الآن) وهى أن الغرب يريد القضاء على هويتنا وعاداتنا وتقاليدنا ونشر الانحلال فى المجتمعات الإسلامية، ومنع ختان الإناث إحدى وسائله . المفاجأة التى تثيرها فيفيان هى أن أنشطة الاستراتيجية معلقة منذ بداية 2018، بعد أن استمرت لمدة عام واحد( 2017) وكانت من خلال الإعلام الإلكترونى ،وتعرض لها 20 مليون مستخدم . «التوقف يسأل عنه مسئولو وزارة الصحة» هكذا أجابت فيفيان عندما سألناها عن السبب، محذرة من أن توقف الحملات لن تكون عواقبه جيدة. تقول مديرة الاستراتيجية:» أخشى أن نعود من جديد إلى نقطة الصفر، بعد أن أنجزنا تقدما ملموسا ، حيث أظهر آخر مسح سكانى أن 61 % من الفتيات ما بين 15 إلى 17 سنة تم ختانهن أى أن 40% من البنات نجين من الختان، وهو إنجاز بالنسبة لعادة استمرت فى مصر لآلاف السنين». من بين الاقتراحات التى كانت الاستراتيجية بصدد تنفيذها ، هو توعية الأمهات من خلال الاتصال المباشر فى الوحدات الصحية أثناء تطعيم المواليد ( 19 مليون مولود يتم تطعيمه سنويا) وهو رقم ضخم يضمن الوصول لعدد كبير من الجمهور. فيفيان أشارت إلى أنه تم إعداد منهج لطلبة كليات الطب حول مخاطر تلك الممارسة المجرمة قانونا ، وذلك بعد موافقة المجلس الأعلى للجامعات، ومن المفترض أنها تدرس فى خمس كليات للطب، لكنها أوضحت أنه لم تتم متابعة إذا ما كان تدريسه مستمرا أم لا. تظل فيفيان متفائلة بحجم الوعى المجتمعى الحالى إزاء تلك الممارسة الضارة، وتستشهد بواقعة حدثت منذ أشهر ، حيث تم فضح طبيب يعلن عن إجراء عمليات الختان فى عيادته، فما كان من رواد موقع «فيس بوك» إلا أن تداولوا الإعلان على نطاق واسع لفضحه، وبالفعل وصلت المعلومة لوزارة الصحة، وتم إغلاق العيادة ، فالبطل هنا هو الجمهور، وخاصة السيدات. حلول وتوصيات فى الختام ، تتوقع د.نهلة عبد التواب - ممثل مجلس السكان الدولى فى مصر- أن تنخفض نسبة الفتيات المختنات فى مصر فى المسح الصحى السكانى الذى ستعلن نتائجه فى 2019 عن تلك الواردة فى مسح عام 2014، لكنها طالبت القائمين على الحملات الإعلامية والجمعيات الأهلية العاملة فى مجال مكافحة ختان الإناث بالتركيز على الأطباء كطرف أساسي، وحبذا لو كانت البداية من كليات الطب، فلابد أن يترسخ فى أذهان الطلبة أن تلك العادة ضارة صحيا للفتاة ، وأن من يقوم بها يعاقب قانونا سواء من الآباء أو الاطباء، ولابد من التركيز على أن لا علاقة لها بأى دين، كما يجب نسف الفكرة القائلة بأن «بعض الفتيات يحتجن للختان وليس جميعهن»،فكما يوجد تفاوت فى أعضاء الجسم من شخص لآخر ، يسرى الأمرعلى الأعضاء التناسلية ، ولا يمكن أن يكون هذا مبررا لإجراء الختان . الأمر الثاني- والكلام للدكتورة نهلة- لابد أن تكون هناك متابعة من إدارة العلاج الحر بوزارة الصحة على عيادات الأطباء الذين يشتبه فى إجرائهم تلك العمليات، بالإضافة إلى تفعيل دور الرائدات الريفيات. د. نهلة لا ترحب بتوقف الحملات المناهضة لختان الإناث، وهو ما أكدته الدراسة بالفعل حيث كانت آخر حملة فى عام 2015 تحت عنوان «كفاية ختان بنات». تقول د. نهلة : «لا يزال هناك قطاع كبير بين أجيال الشباب «فتيات وذكور» يؤيد تلك العادة ،وهو ما تظهره بعض المناقشات على «السوشيال ميديا»، وهؤلاء هم آباء وأمهات المستقبل، ولابد أن نضمن أنهم سيتخلون عن تلك العادة. لكن أهم نقطة يجب أخذها فى الاعتبار عند طرح الامر إعلاميا ،ألا تبدو الآراء متضاربة ،وبالتالى فتح الباب لمزيد من الجدل والحيرة لدى المشاهد، بل يجب أن يكون الطرف الأقوى فى النقاش- فى حال عمل مناظرة- هو القادرعلى تفنيد كل الادعاءات الداعية لختان الإناث، وحبذا لو تم الاعتماد فى الحملات الإعلامية على المشاهد التمثيلية، لأنها تكون أكثر تأثيرا من الرسائل المباشرة. كما يجب تجنب المشاهد القائمة على الخوف والترهيب، حيث أوضحت الدراسة أن بعض الأمهات رأينها غير مقنعة وتجافى الواقع والتجارب التى مررن بها شخصيا، فى المقابل يجب التركيز على الجوانب الإيجابية للتخلى عن تلك العادة ،وأخيرا لابد أن يهتم الاعلام بطرح القضية من وقت لآخر وليس بشكل موسمى فى مناسبتى اليوم العالمى أو الوطنى لمناهضة ختان الإناث.