فى إحدى جلسات العمل التى جمعتنى بمجموعة من المستثمرين على مدار الشهر الماضى دار فى إحداها حوار عن الاستثمار والاقتصاد المصرى ، وكان ذلك مع أحد كبار المستثمرين العرب وهو إماراتى الجنسية قال بحكم العاطفة والارتباط التاريخى أنا أحب مصر وأحب المصريين وقال مصر بالنسبة لجيلى لها مكانة خاصة فى نفوسنا وعقولنا بدون شعارات نأمل دائمًا أن تكون فى تقدم وأن تتجاوز مشاكلها وأكد على حرصه على الدخول فى استثمارات جادة فى مصر رغم وجود العديد من النصائح التى تنصحه بالتريث إلا إنه ووفقًا لقوله مصمم على العمل فى مصر... واستطرد قائلًا إنى حريص على العمل فى مصر ولكنى أحتاج إلى تجاوز العقبات وسأل كيف تعملون فى مصر؟ ... وكيف نجحتم فيما فشل فيه آخرون؟ ... وكيف يمكن إدارة أعمال ضخمة بأرقام مليارية رغم كل الصعوبات التى يعددها بعض الناصحين ... والتى لم تؤثر فى رغبتى لدخول السوق المصرى وإن كنت لا أستطيع تجاهلها حتى يمكن تحقيق نجاح فى العمليات المستقبلية... هذه الحالة التى يعبر عنها هذا الحوار وما قاله هذا المستثمر يكشف أن لمصر مكانه وحظوة لدى المستثمرين العرب وبالمناسبة هم من أكبر المستثمرين العالميين– ولكنهم يحتاجون إلى خارطة طريق لإدارة أعمالهم فى مصر خاصة فى بعض المجالات والأنشطة التى شهدت عدم نجاح تجارب عالمية كما هو حال نشاط تجارة التجزئة الذى شهد خروج استثمارات ماكرو الألمانية وشوبرايت الجنوب إفريقية وسينسيبرى الانجليزية من قبلهم مما جعل التجارب بشأن نشاط تجارة التجزئة فى مصر غير جيدة وتحمل نظرة سلبية من قبل الراغبين فى الاستثمار فى هذا المجال. والحقيقة فقد استمعت له جيدًا ولاحظت أنه ورغم كل ما ذكره مصمم على العمل فى مصر ويأمل أن يجد طريقة لبدء استثمارات كبيرة فى هذا الاتجاه وهو ما دفعنى للتأكيد على أن وجود صعوبات فى أى بلد أمر وارد وموجود ولكنه يختلف من دولة لأخرى وفق ظروف كل دولة وطبيعة أنظمتها القانونية والإدارية ... فإذا كانت المقارنة التى تقول بوجود عشرات الماركات الأجنبية العاملة فى مجال تجارة التجزئة فى بلد مثل دبى لا يتجاوز تعدادها 4.5 مليون نسمة بينما فى مصر التى يتجاوز عدد سكانها ال 100 مليون نسمة لا يوجد سوى أربع أو خمس علامات تجارية عالمية فقط وبخريطة انتشار محدود نسبيًا قياسًا إلى الرقعة الجغرافية هذا بخلاف القياس على عدد السكان وهذا لا ينطبق على مجال نشاط تجارة التجزئة فى مصر فقط بل أن هذه المقارنة يمكن تعميمها لنجد أنها ستشمل مجالات أخرى كثيرة... هذه المقارنة لا يمكن عدم النظر إليها بعين الاعتبار ولكنه لا يمكن أيضًا تعميمها بدون النظر إلى اختلاف طبيعة المجتمعات وتطورها التاريخى وتركيبة الدولة ونظمها القانونية والاقتصادية وحجم أعبائها والتزاماتها تجاه مواطنيها وما يؤدى إليه ذلك من ضغوط واختلاف فى جدول الأولويات من دولة لأخرى وهو ما يؤثر بالتالى على البيئة الاستثمارية وعناصرها الجاذبة للاستثمار... فبرغم التسليم المبدئى بكل ما سبق إلا أن الاقتصاد المصرى مازال هو اقتصاد الفرص فحجم السوق المصرى ضخم جدًا ويمثل فرصة مغرية لأى مستثمر كما أن معدلات الربحية ما تزال هى الأعلى كقياس على الأسواق الناشئة الأخرى كما أن مجموعة التحديات والعقبات فى أغلبها من النوع الإدارى الذى يحتاج إلى إدارة ذات طبيعة خاصة ليس فقط إدارة الإبداع أو إدارة الابتكار أو الإدارة بالنمو ولكن والأهم الإدارة بالتأقلم بمعنى التعامل مع العقبات والتحديات وخاصة البيروقراطية والإدارية وكأنها جزء من إدارة عملية النشاط ككل بحيث يتم أخذها بعين الاعتبار فى كل العمليات التفصيلية للنشاط الاقتصادى بحيث يستطيع نظام العمل استيعاب هذه الإشكاليات والتأقلم عليها... وجميع الأنشطة الناجحة فى مصر هى التى استطاعت العمل وفق هذا النموذج القادر على خلق مزيج إدارى فعال بين معطيات الواقع المحلى ومنظومات العمل الإدارى العالمى كما هو الحال فى منظومات تجارة التجزئة الناجحة فى مصر على مدار الخمسة عشر عامًا الماضية...