لماذا يدفن الناس أولادهم أحياء؟ أو يدفنون أنفسهم؟ويبكون حظهم؟ولم يقبلوا الإسلام دينًا، وإنما هم مسلمون بالاسم، فضاعت حياتهم وليس لهم عذر عند الله؟., لى قريب من الدرجة الأولى رحمه الله كان طبيبًا تخرج فى دفعة عددها سبعة، وأقصد من ذلك إنه كان متعلمًا فى وقت كان فيه المتعلمون قلة، ولكنه للأسف كان مريضًا ب «الوساوس»، لأن والده رباه على الشك بسبب علاقاته مع النساء، وكنا نعرف ذلك، وللأسف بعد زواجه من فتاة محترمة قريبة أقارب لنا، أى تمت إلينا بقرابة بعيدة، وتصغره كثيرًا، ولم يكن فيها عيب إلا أن والدها كان رجل أعمال وله أعداء، فعندما شك فيها زوجها بعد الزواج، رجعت إلى أهلها واتفقا على الطلاق، ولكن هؤلاء الأعداء تجسسوا وتحسسوا، وعلموا بشك زوجها ففضحوا أباها بنية الانتقام منه، والفتاة بريئة وكل الأقارب يعلمون ذلك، فتراجع أهلها عن فكرة الطلاق حتى لا تثبت عليها التهمة، وعاشت مع هذا الزوج حياة مثل الأموات، إذ كان فور عودته من العمل يبحث عن رجال تحت السرير، ومنعها من النزول، وكانت معظم العام تذهب إلى أهلها، ثم تعود تحت ضغطهم حتى لا يصدق الناس ما يقال عنها، ونتيجة ذلك ازدادت كراهية هذه الزوجة للناس والمجتمع، وتنتظر الانتقام من كل من حولها، فلا هى مستمتعة بحياتها ولا هى تحاول الخروج من هذا السجن، مع أن الله تعالى قال فى كتابه الحكيم: « وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِّن سَعَتِهِ، وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا» (النساء130)، أما من يخوضون فى أعراض الناس بدون بينة، فليس لهم إلا اللعنة، لقوله تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِى الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ» (النور23)، فحل المشكلة فى الإسلام لله والتوكل عليه، وأن تحيا هذه المرأة ومثيلتها حياة طيبة هى وأولادها لايشغلون أنفسهم بالناس، فهم أولى بالشفقة منها لأنهم سيدفعون الثمن غاليًا.. هذه هى سنة الحياة كما تدين تدان، لكن هذه المرأة تشعر بالخزى والمهانة حتى الآن، وربت أولادها على هذا، فهم يكرهون الناس، ويتمنون الشر لهم، وهى تتمنى أن يشنق كل من ذكرها بسوء أو شك فيها، ولا تحيا حياتها مع أن الزوج توفى، ومن شنع بها نكاية فى والدها أصيب بالشلل.. ولقد قابلت فى رحلاتى المتكررة إلى العمرة أو الحج نساء مررن بنفس هذه الظروف ولكنهن طلقن ويعيشن حياتهن بطريقة طبيعية ويقصصن تجاربهن بطريقة عادية! ماذا تقول لهؤلاء الناس الذين يقتلون بنظراتهم غيرهم وهم لا يشعرون بأنهم ارتكبوا كبيرة من الكبائر؟، وماذا تقول لهذه المرأة؟. ولكاتب هذه الرسالة أقول: إذا بلغ الشك بين الزوجين إلى الحال التى تصفها، فإن ذلك من أعظم أسباب انحراف الحياة الزوجية عن سبيل السكن والمودة والرحمة، إلى جحيم الظنون والهواجس والمتاعب، وغالبا ما يؤدى ذلك إلى هدم البيت من أصله. إن الزوج لا يحل له أن يشك فى تصرفات وأفعال وأخلاق زوجته بما يسيء إليها فى شرفها وعرضها من غير أدلة يقينية أو أمارات ظاهرة، والواجب عليه أن يتقى الله، وأن يحكم بالعدل وأن يحذر من مخالفة الشرع فى وجوب اجتناب ظن السوء ولو قلَّ، وهذا الظن السيئ قد يقوده إلى أفعال محرمة كالتجسس والقذف، وكل هذه المنهيات ثابتة فى القرآن الكريم بأوضح عبارة وأوجزها وأبلغها، قوله تعالى: « يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْم وَلا تَجَسَّسُوا» (الحجرات 12)، وقال أيضا: «إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِى الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ» (النور23)، فالواجب على الزوج أن يقطع شكَّه ووسوسة الشيطان له تجاه زوجته بدفعه والتخلص منه بما يعلمه من صلاحها وعفتها ومحافظتها على شعائر دينها، ويمكنه أن يواجهها بسبب ما يقع فى قلبه من شك وريبة، فلعلَّه أن يزول بكلمة أو توضيح لموقف منها، وما أكثر ما يكون الظلم للآخرين بخطأ التحليل وسوء التقدير مع الجهل بأحكام الشرع الحنيف، ولنتأمل ما حصل من صحابى جليل عرَّض بامرأته بأمارة ضعيفة، وكيف أنه راجع فى ذلك النبى صلى الله عليه وسلم ولم يستسلم للوساوس والشكوك، وأخيراً كيف كانت تلك المشاورة والمراجعة مفيدة فى نقاء قلبه وصلاح أسرته بأن زال ما فى قلبه من الشك ، وهى حادثة عظيمة ينبغى أن تكون درساً بليغاً لأصحاب الشكوك والوساوس، فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ وُلِدَ لِى غُلَامٌ أَسْوَدُ فَقَالَ : (هَلْ لَكَ مِنْ إِبِلٍ) قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ (مَا أَلْوَانُهَا) قَالَ: حُمْرٌ ، قَالَ ( هَلْ فِيهَا مِنْ أَوْرَقَ) قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ (فَأَنَّى ذَلِكَ) قَالَ: لَعَلَّهُ نَزَعَهُ عِرْقٌ قَالَ (فَلَعَلَّ ابْنَكَ هَذَا نَزَعَهُ، والأوْرق معناه السواد غير الحالك . لقد شك هذا الرجل فى امرأته؛ لأنه رأى ابنه منها أسود اللون، على غير لون أبيه ؛ فأرشده النبى صلى الله عليه وسلم إلى أن عوامل الوراثة لا تقتصر على ملامح الأبوين القريبين؛ بل ربما امتدت فأخذت من الأصل البعيد، وخالفت الوالد القريب، فعلى الزوج الشكاك أن يتقى الله تعالى، وأن يستعيذ به من الشيطان الرجيم، وعليه ألا يلتفت لما يقذفه الشيطان من وساوس فى قلبه، وعليه إما أن يمسك زوجته بالمعروف أو أن يسرحها بإحسان ، ومن ازدادت عليه الوساوس والشكوك، فليراجع طبيباً نفسيّاً موثوقاً به فهو أفضل، والله المستعان.