خلال ربع قرن بدأ منذ التحاقى بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية فى مطلع تسعينيات القرن الماضى لم أتوقف والكثيرون من أبناء جيلى عن طرح التساؤل حول هوية الإخوان، ولم يتوقف بالتالى البحث عن إجابة شافية وصافية غير ملوثة بأى اعتبارات أيديولوجية أو تحيزات شخصية. من تكون تلك الجماعة؟ هل هى جماعة دعوية؟ هل هى جماعة سياسية؟ هل هى فصيل وطني؟ هل هى جماعة تخدم الدين أم تستخدمه وتستغله لأهداف سياسية؟ وأى إسلام ذلك الذى تسوقه الجماعة باعتباره الحل، هل إسلام المصريين الوسطي، أم الإسلام كما تفهمه وتقدمه الجماعة؟ هل هى جماعة موالاة أو معارضة للنظام؟ هل هى جماعة سلمية كما تدعى دوما، أم جماعة عنف لا تحرم الدم؟ هل فكرة التنظيم الخاص بالجماعة فكرة عابرة أم أنه منهج عمل يتفق وقواعد فكر وحلم الجماعة؟ هل هى جماعة تملك بديلا وقادرة على تنفيذه؟ الإخوان جماعة وأعضاء لم تشغلهم مثل تلك الأسئلة وقطعا حرموا طرحها وتداولها داخل أروقة الجماعة، وتصويرها وكأنه خوض فى محرم من المحرمات، كما حاولوا تغييبها خارج أسوار الجماعة مستخدمين العديد من الوجوه فى مواقع مختلفة اجتهدت للدفاع عن الجماعة وتسويقها لدى الرأى العام. وبكل تأكيد فإن الإخوان لم يقدموا خدمة حقيقية للوطن وللدين سوى أنهم بأنفسهم قدموا الإجابة عن تلك الأسئلة بالدليل القاطع. إجابات لم تعد تحتمل أى تشكيك ولا يجدى معها أى تنكر. وهى خدمة يستحقون كل الشكر عليها! ذلك أن هوية الجماعة بين الدعوى والسياسى ظلت مثار خلاف بين الكثيرين. ولم يكن دخولها انتخابات مجلس الشعب فى بعض الدورات كافيا لإنهاء ذلك الجدل أو الخلاف. وحتى بعد 2011 واستحواذهم على الأغلبية بالمجلس بدا البعض مصدقا لادعاءاتهم بأنهم غير راغبين فى السلطة وأنهم لن يترشحوا للرئاسة، بل وفصلوا عبد المنعم أبو الفتوح بسبب قراره المشاركة فى الانتخابات، إلى أن شاركوا فى الانتخابات الرئاسية بل وهددوا بحرق مصر إن لم يفز مرشحهم، فلم يعد أمام المدافعين عنهم والمخدوعين فيهم إلا الاعتراف بأن الجماعة سياسية ظلت تتحين الفرصة عبر ثمانية عقود لاقتناص السلطة. هذه الإجابة التى باتت ساطعة كشمس نهار أغسطس كانت كافية أيضا للإجابة عن أسئلة أخرى تتعلق بهوية الجماعة. ومعها لم يعد ممكنا التشكيك فى أن الجماعة لم تخدم الدين ولم تكتف بالخلط بينه وبين السياسة بل استغلته كأبشع ما يكون. كما لم يعد ممكنا خداعنا بأن السيوف المرفوعة طلبا للجهاد لم تكن موجهة للمصريين. أما عن كونها جماعة عنف ودم، فإن جرائمها أمام قصر الاتحادية سنة حكمهم وما تلا ذلك من جرائم واغتيالات فى حق المصريين وقوات الجيش والشرطة لهى دليل واضح أن فكرة العنف والاغتيالات لم تكن فكرة عابرة أو شطحة قام بها بعض الأعضاء بدأت باغتيال النقراشى باشا بل إنها فكرة أصيلة فى منهج الجماعة. كما تؤكد أن السلمية التى ادعتها الجماعة لم تكن إلا نوعا من المهادنة أو التقية لحماية التنظيم من الاصطدام بأجهزة الأمن، فلما ضعفت تلك الأجهزة بداية عام 2011 تنفس العنف الإخوانى الصعداء وخرج من مخبئه وعبر عن نفسه وقدراته كما لم يحدث من قبل. واستخدمت الجماعة تلك التقية أيضا لخداع الكثيرين بشأن موقفها من النظام الحاكم. إذ حاولت الظهور بمظهر المعارضة للنظام دون أن يصل ذلك إلى حد المجاهرة بمعاداة النظام، فباتت بالفعل جماعة محظوظة كما وصفها الراحل الدكتور رفعت السعيد. ومن ثم لا لم يكن غريبا أن يصرح المرشد بأن الرئيس مبارك بمنزلة الأب لكل المصريين. أما عن الإسلام الذى تستخدمه فى شعارها باعتباره هو الحل، فإن متابعة كتابات الجماعة تؤكد أن ذلك الإسلام هو الإسلام الذى تفهمه الجماعة ويقدمه قياداتها وليس الإسلام الذى يعرفه المصريون. وكأنهم خطوا لأنفسهم إسلاما خاصا يلتزمون فيه بما قاله إمامهم حسن البنا ويستشهدون به فى كل أحاديثهم، وأن تسمية كبيرهم أو رئيسهم باسم المرشد لم يأت عفو الخاطر، بل هى تسمية مقصودة لإضفاء قدسية عليه تحول دون معارضته وتجعل البيعة له أمرا طبيعيا وإجراء لا غنى عنه للدخول إلى جنة تلك الجماعة أو الديانة، ومن ثم قال القيادى الإخوانى صبحى صالح بملء فيه وبكل الفخر أسأل الله أن يتوفانى على الإخوان!. يبقى التساؤل عما إذا كانت الإخوان فصيلا وطنيا أم لا. وهنا تكفى الإشارة إلى أن مرشدهم قال دون خجل طز فى مصر، والجماعة تؤمن وتعلن أن الوطن حفنة من تراب، وأن المسلم الماليزى أقرب إليهم من المصرى المسيحي، وعلاقتهم بأجهزة المخابرات الدولية قديما وحديثا لم تعد محلا للشك. وفى هذا الإطار يذكر الكاتب الكبير منير عامر وقد كان شاهد عيان على واقعة أرجع فيها مرشد الجماعة سبب سعيهم للتظاهر تأييدا للولايات المتحدة فى أثناء أزمة احتجاز الرهائن الأمريكيين فى إيران إلى أن الأمريكان طلبوا منهم ذلك قائلا لقد دقوا بابنا ونحن لا نرد من يأتينا، بما يعنى أنهم جماعة تحت الطلب. وخلال عام 2012 زارت السفيرة الأمريكية مقر الإرشاد طارقة باب الإخوان وبالطبع لم يكن واردا أن يردوها! فالباب دائما مفتوح للجميع إلا للدولة المصرية حكومة وشعبا! وقبل عام من الآن وتحديدا فى ديسمبر الماضى اعتذرت الجماعة على لسان إبراهيم منير عن إساءة أعضائها لبابا الفاتيكان فى أثناء زيارته لمصر فى خطاب لبريطانيا بعد تهديدها للجماعة. وأخيرا، فإنها الآن تستقوى بالكبير والصغير على مصر، وقبل ذلك خانت كل القوى السياسية واستولت منفردة على حكم مصر. فتأكد للقاصى والدانى أنه ليس لدى الجماعة بديل تقدمه للحكم. إنها حقا جماعة بلا هوية أو مسخ كما يقال، لذلك كان العقاب الشعبى لها قاسيا ومدويا. فالمصريون لا يحبون ولا يحترمون لا الأشخاص ولا الجماعات ولا الأشياء المسخ، ولا يغفرون لمن خدعهم أو فكر يوما فى أن يخدعهم أو يتلاعب بمستقبلهم ويجعل منهم قربانا لمشروع لا يستهدف أمن وسلامة ووحدة مصر أرضا وشعبا. لمزيد من مقالات د. صبحى عسيلة