شاهدت مقدم برنامج تليفزيونى ينتقد الضريبة العقارية بشدة قائلا: إنه لا يجوز شرعا فرض ضريبة على محل إقامة المواطن. وأكمل حديثه بشيء من السخرية قائلا: إن الضريبة العقارية وسيلة لانتزاع مال الغلابة المطحونين. دعانى هذا المنطق إلى التفكير فيما يدفعه المصريون من ضرائب بالمقارنة بما يدفعه مواطنو دول يكن المصريون لها كل الاحترام وينظرون إلى أهلها بشيء من الحسد، معتبرين المعيشة بهذه البلدان سهلة وغير مكلفة أو متعبة. وبما أننى أعرف كثيرا عن دولة كندا، وهى تعتبر دولة معتدلة فى العالم الغربى لذا قررت أن أقارن كم الضرائب التى يدفعها الكنديون بالمقارنة بما يدفعه المصريون، وهل كانت الخدمات بعد ذلك توازى الضرائب التى تجمعها الدولتان؟. البعض سوف ينتقد عملى هذا على أنه غير واقعى لأن مصر وكندا ليستا متشابهتين. هناك العديد من المميزات يتمتع بها المواطن الكندى لا يمكن أن ننكرها مثل النظافة وقلة التلوث وآدمية الإنسان وكلها لا تقدر بثمن لكنها لا تأتى مجانا لذا وجب التوضيح. دعنا نبدأ بمقارنة إجمالية بين المنسوب الضرائبى فى مصر وكندا. الحد الأدنى لضريبة الدخل فى مصر هى 10% والأقصى 22٫5 % بينما الحد الأدنى فى كندا هو 21% والأقصى 50%. مصر تعفى المعاشات التقاعدية من الضرائب ويعفى المسكن الرئيسى من الضريبة العقارية كذلك تعفى فوائد المدخرات فى البنوك من الضرائب. أما فى كندا متفرض الضرائب على الدخل العام شاملا المعاش وفوائد المدخرات البنكية. علاوة على ذلك تضاف ضريبة وقدرها 12 فى المائة على جميع المبيعات والخدمات أيًا كانت باستثناء المأكولات. أضف إلى ذلك الاشتراك فى المنظومة العلاجية والضريبة العقارية. وعندئذ نرى أن الكندى فى أدنى شرائح الدخل يدفع ما يقارب 50 فى المائة من دخله ضرائب. مع ذلك فان الكنديين يتقبلون كم الضرائب هذه ومقتنعون بأنها ضرورة تؤمِّن لهم مستوى المعيشة التى يبتغونها. فى كندا يدفع مالك العقار متوسط الحجم قرابة 5000 دولار ضريبة عقارية سنويا ولشقة غرفة واحدة نحو 1200 دولارا وجزء كبير من هذا المبلغ يذهب إلى دعم مدارس المنطقة «المجانية». والضريبة العقارية ليست ثابتة وإنما تزداد سنويا مع زيادة سعر العقار. فمثلا إذا امتلك زوجان عقارا لمدة 40 عاما المحتمل الأكثر أن تكون ضرائب هذا العقار قد تضاعفت ثلاثة أو أربعة أضعاف مع العلم بأن هذين الشخصين معاشهما الشهرى لم ولن يتغير إلا القليل. أما فى حالة بيع عقار مؤجر فيضاف 50 فى المائة من الأرباح إلى دخل المالك. فلنفرض أن المالك اشترى العقار فى السبعينيات بما يوازى عشرة آلاف جنيه مصرى وتم بيعه فى 2018 بمليون جنيه, 50% من المكسب ناقص العشرة آلاف الأصلية يضاف إلى الدخل العام وفى هذه الحالة يدفع بائع العقار نحو 250 ألف جنيه ضريبة دخل عام. دعنا نقارن أيضا المردود الذى يجنيه هذا المواطن من دفع هذه الضرائب الطائلة ولنركز على منظومة واحدة وهى المنظومة العلاجية لأن المجال لا يتسع لأكثر من ذلك. الحق يقال فإن المنظومة العلاجية فى مصر تفتقد الكثير والشعب بكل فئاته ينتظر تطبيق منظومة التأمين الصحى الشامل. ولكن بالرغم من التعداد السكانى المهول بالمقارنة إلى كندا التى لا يتعدى تعدادها السكانى 35 مليونا فإن الأطباء متوافرون والعلاج متاح حتى ولو كان مكلفا ومضلعا فى بعض الأحيان. المصريون باستطاعتهم الذهاب إلى طبيب متخصص فى أى وقت وزيارة طبيب العيون أو الأمراض الجلدية أو النساء أو حتى عمل اختبار إجهاد القلب تتم فى نفس اليوم. كذلك فإن العيادات التابعة للكنائس والجوامع نظيفة وغير مكلفة. يقولون لك إن العلاج فى كندا بالمجان. تمهل قليلا قبل استيعاب هذه المعلومة. فصحيح أنك لا تتبادل المال مع الطبيب مباشرة ولكن بلايين البلايين من أموال الضرائب تذهب إلى منظومة علاجية تحتاج لمعالجة قاسية. تدفع العائلة المكونة من فردين 75 دولارا شهريا للعلاج «المجاني» زائد 360 دولارا لإضافات مثل زيارة طبيب الأسنان والدواء والعلاج الطبيعى إلخ. لكن للأسف العلاج غير متوافر. ينتظر المريض شهورا طويلة للحصول على اختبار إجهاد القلب أو منظار أمعاء. عملية المياه البيضاء فى العين لا تتم إلى أن يفقد المريض 50 فى المائة من بصره. التصوير المغناطيسى يستحق انتظار 8 أشهر وقد يتم فى ال4 صباحا نظرا لعدم توافر الأجهزة والأطباء. حتى زيارة دكتور الأمراض الجلدية تستحق 10 أشهر انتظارا. كل هذه الأمثلة حقيقية وليست افتراضية. إذن يجب أن ننصف النظام الضريبى فى مصر لأنه متساهل وغير متشدد. يجب أيضا الاعتراف بأن الخدمات الجيدة تحتاج إلى ضرائب لدعمها. لذا لن تستطيع الدولة تقديم أى خدمات للشعب إلا بالاستمرار فى جمع الضرائب. لمزيد من مقالات د. عزة رضوان صدقى