أحزن كثيرا لما آلت إليه مهنة الصيدلة فى كل تخصصاتها سواء فى الصيدليات العامة أو فى مصانع الأدوية أو فى الصيدلة الإكلينيكية، فنجد الصيدليات العامة قد امتلأت بالدخلاء على المهنة وليسوا صيادلة وذلك بالتملك المستتر أو الإدارة الزائفة أو الإثنين معا بالإضافة إلى الفئة الطالحة من الصيادلة الذين أعماهم المال عن احترام آداب المهنة والالتزام باللوائح والقوانين التى تنظمها حفاظا على صحة وحياة المرضى مما يزيد المعاناة على باقى الصيادلة الملتزمين ويشعرهم بالاغتراب، وبالطبع يسرى هذا أيضا على باقى المهن، ولكنى أذكر هنا ما يخص مهنتى التى أمارسها منذ 15 عاما وأحمد الله أن سجلّى المهنى لا تشوبه شائبة بشهادة الجميع، فالصيدلى فى الماضى كان يرتدى البالطو الأبيض، ويمضى معظم يومه داخل المعمل فى صيدليته يقوم بتحضير الأدوية للمرضى سواء أدوية «الفارماكوبيا» أو التذاكر الطبية ما بين الأشربة والبرشام والغسولات والمراهم والقطرات ..إلخ، وكان له دور محدد فى علاج المريض وكأنه مصنع أدوية مصغر، فالمعمل يشغل الحيز الأكبر من مساحة الصيدلية نظرا لأهميته حينئذ، ولأن الأدوية حديثة التحضير وضمير الصيدلى هو الرقيب عليه بعد الله عز وجل فكانت مصدر ثقة للمرضى والأطباء، وكان المريض شديد الحرص على تلقى تعليمات ونصائح الصيدلي.. أما الأدوية الجاهزة فكانت قليلة العدد وكان تعاملنا مع مصانع القطاع العام فى الستينيات فى أوج مجدها، وكانت تصنّع بالوكالة لكثير من الشركات العالمية، وأذكر أن إحدى هذه الشركات كانت تصنع أدوية تستخلص من نباتات تنفرد بزراعتها مصر مثل الخلّلين والميلادينين والهالبرول من الحلفابر، وما زال بعضها ينتج حتى يومنا هذا، وتصدر للخارج وله شهرة عالمية فى علاج حالات التقلصات الشديدة فى الكلى والبعض فى حالات البهاق والثعلبة، والأخير فى تفتيت الحصوات وإذابتها . ولم يعد للمعمل الآن وجود فى الصيدلية إلاّ تنفيذا للقانون فقد تقلص حجمه كثيرا لعدم تحضير أى تركيبات صيدلية إلاّ ما قد سلف واسما فقط ولم يعد الصيدلى يهتم بتطوير نفسه علميا لانحسار دوره فى البيع والشراء دون ممارسة مهنته الأساسية، وأصبحت المهنة تجارية وأقرب إلى التجارة الخاسرة، وفى بعض الأحيان ليست بعيدة عن الشبهات فى وجود مخازن الأدوية التى تتعامل فى الأدوية المهربة المشكوك فى فاعليتها، بل استحدث نظام «السلاسل» الذى لا يختلف كثيرا عن مخازن الأدوية وكأننا فى سوق (مول) لا دور فيه للصيدلى نهائيا، وأصبحت سوق الدواء أقرب إلى الفوضي، ولا يخفف من غلوائها إلاّ مجهودات التفتيش فى الإدارة العامة للصيدلة ولكنها مكبلة بقانون مزاولة المهنة السارى منذ عام 1955 الذى لا يتناسب مع العصر الحالى . أمّا نظام الصيدلى الإكلينيكى الذى يطبق فى الدول الأجنبية ومعظم الدول العربية ومنها السعودية والإمارات، فتقف له وزارة الصحة فى مصر بالمرصاد وتصبح دراسته التخصّصية بذلك قد ذهبت أدراج الرياح برغم أنها ضرورية لترشيد الاستهلاك فى الدواء بالنسبة للمريض الذى يتعاطى أكثر من دواء لكى نتجنب التضارب والتفاعلات الدوائية التى تحدث بين الأدوية المختلفة وبين الدواء والغذاء وهو الوحيد المؤهل علميا لذلك . وممّا أدخل السرور إلى قلبى وأسعدنى أننى تلقيت دعوة للاحتفال باليوبيل الذهبى لتخرجنا مع زملائى الصيادلة دفعتى 1967 و1968 تحت رعاية عميدة صيدلة الإسكندرية وإشراف نقابة صيادلة الإسكندرية وما أسعد أن ترى أقرانك الذين لم ترهم خلال هذه الفترة الطويلة من رموز الزمن الجميل، فقد التقينا هذا الأسبوع، واسترجعنا الذكريات الجميلة، وكان لقاء رائعا بحق، وياليت كل الخريجين من المهن الأخرى يحرصون على الاحتفال بهذه الذكريات. د. مصطفى شرف الدين