حسنا.. لنبدأ بتوضيح المصطلحات منعا للخلط وتضارب التأويلات وسوء النيات. فأما عن الخيابة، فلا يغيب عن ذوى الألباب أنها تعنى الخيبة والاستهتار وضعف الخبرة وعدم الإتقان وانعدام الكفاءة. وأما التحكيم المقصود هنا فهو تحكيم كرة القدم وليس أى تحكيم آخر، إذ إن للتحكيم أشكالا وأنواعا ومعانى كثيرة وتطبيقات. وإذن فنحن هنا نتحدث عن كرة القدم وليس عن شيء سواها (لذا لزم التنويه)! عظيم.. لندخل فى صلب الموضوع فنسأل: هل نحن لدينا فى ملاعبنا تحكيم كروى كفء مثالى بنسبة 100% ؟ لا طبعا. طيب.. عن نسبة كم فى المائة من الكفاءة يمكننا الحديث؟ دعونا نغامر فنقرر أن النسبة تتراوح بين 50% و60% فى أغلب الحالات.. ترتفع أحيانا لتصل إلى 70% فى البعض من المناسبات. إنها نسبة -إن صَحّت- تكون ممتازة جدا فى ظل تدنى معدلات الجودة فى بقية القطاعات والنشاطات. يعنى إيه؟ يعنى أن تحكيم كرة القدم لدينا يكاد يكون معقولا (ولن نقول بيرفيكت حيث إن الكمال لله وحده). جميل.. هل بالتالى يمكننا الخلوص إلى أن التحكيم ليس خائبا أبدا؟ لا.. لا يمكن لأحد أن يجرؤ على إطلاق هذا التعميم نظرا إلى تصاعد مشكلات التحكيم فى الآونة الأخيرة إلى درجة دفعت البعض للتهديد بالانسحاب من الدوري. وعلى فكرة الشكوى لم تقتصر على فريقين فقط أو ثلاثة بل إن الكل بات بعد كل مباراة يشكو. عظيم.. إذا كان بعض التحكيم (أو بالأحرى غالبه) ضعيفا.. أو بصراحة أكثر (خائبا).. فما سبب الخيابة؟ هناك مليون سبب وسبب.. لكننا لضيق المساحة سوف نكتفى بثلاثة منها. خذ عندك. أولا: إن التحكيم يعنى «حَكَم».. يعنى «نشاط بشري».. وكل نشاط بشرى بالتأكيد قابل للصواب والخطأ. ويقال إن الخطأ فى التحكيم جزء من اللعبة، بل يجزم البعض بأنه جزء من حلاوتها وإثارتها. كل حكام العالم (فى الكرة!) يخطئون.. وارجع إن أحببت إلى مباريات كأس العالم فى روسيا وراجع كمية المهازل التى وقعت! وثانيا: أن منظومة كرة القدم عندك كلها مضطربة، بل ومرتبكة، مما أدى إلى سقطات نعرفها جميعا لن يكون آخرها ( إذا استمرت الحال على ما هى عليه) ما جرى لمنتخبنا الميمون فى روسيا، ما يحتّم بالتبعية ضرورة إعادة الانضباط، وإلزام الجميع باحترام اللوائح.. وربما تغيير اللوائح نفسها إذا اقتضى الأمر.. وصولا إلى تحقيق الانسجام والتناغم بين كل مفردات اللعبة التى هى أكثر ما يمتع المصريين الآن (خاصة الشباب ). وثالثا: ولأن قطاع التحكيم مكوّن أصيل من مكونات اللعبة فإن الارتجال والعشوائية بها انعكسا على هذا القطاع.. وهذا شيء طبيعي. وكبقية القطاعات فإن التحكيم يفتقر التدريب المستمر المتواصل، وإلى الإنفاق السخى الذى يملأ عينى الحَكَم فلا يشعر بأنه هو الحلقة الأضعف وسط لاعبين يحصل الكثيرون منهم على الملايين بينما لا يحصل هو إلّا على الملاليم. (يا خلق الله.. كيف يحترم لاعب مليونير حكما شحاذا؟). يا عمّ هات الخلاصة.. ماذا تريد أن تقول؟ الخلاصة يا سيد الناس هى أنك - وأنت تحكم على التحكيم- يجب ألا تفصله عن السياق العام لمجمل أنشطتنا؛ من تعليم وصحة واقتصاد وإعلام وثقافة وفنون.. وهَلُمّ جرّا.. وإذن أرجوك لا تقس على الحكام فتحمّلهم ما لم يتسببوا هم فيه. والآن نأتى إلى الشق الثانى من القصة فنسأل: هل هناك ما يمكن تسميته تحكيم الخيابة؟ آه فيه. كيف إذن؟ إن المعنى ببساطة هو أن هناك قواعد ومعايير وأسسا للحكم على الخيابة (ومن ثم تحكيمها) فى أى مجتمع. المعيار الأول، أنك - وأنت تحكم على الخيابة - ينبغى عليك وضعها فى حجمها الحقيقى فتقيس خيباتك بخيبات من هم فى مثل ظروفك. ويترتب على هذا أنك يجب ألا تقارن التحكيم الكروى عندك بالتحكيم فى أوروبا مثلا.. بل قارن نفسك بإفريقيا- التى هى منك وأنت منها. إنك لو فطنت إلى ذلك فستجد التحكيم عندك (آخر حلاوة)! والمعيار الثاني، هو أن من الخطر - بل ومن الغباء - أن تظل تقسو على نفسك طوال الوقت فتذبحها ذبحا، لأن النتيجة الحتمية لهذا المنهج ستكون استمراء الذبح لذاتك حتى تصاب بالشلل فتكون كمن لا أرضا قطع ولا ظهرا أوصل. صحيح أنه لا مانع طبعا من انتقاد حكام الكرة بين الحين والحين إن هم كانت أخطاؤهم لا يمكن السكوت عنها.. لكن يا كابتن احرص على ألّا يبلغ نقدك مبلغ الذبح.. وإلّا فلن يعيش لك حكام! والمعيار الثالث، هو أنك - وأنت تحكم على الخيابة - لا تنطلق أبدا من الفكرة البلهاء المتفشية بأن الخيابة قدر مقدور، أو مصير مكتوب فى اللوح المحفوظ. لا يا سيدي.. إن الخيابة هى بالأساس عمل من صنع يديك أنت، ونتاج لكسلك وتخبطك وإهمالك، ويترتب على هذا أن خيباتنا الثقال يمكن تخطيها والقضاء عليها. إزّاي؟ بسيطة.. بالتخطيط السليم.. وإعمال اللوائح على الجميع (كبيرهم قبل صغيرهم).. وتطبيق القوانين بكل صرامة وحزم (حتى فوق النجيلة الخضراء مهما يكن اسم اللاعب أو رئيس النادى أو حتى سطوة الجمهور). ويبقى المعيار الرابع هو التدرج الذكى فى محاصرة الخيبة. أنت لن تقدر على تغيير كل شيء- فى الكرة وغير الكرة - فى يوم وليلة. وبالنسبة لخيبة التحكيم، فلنبدأ مثلا بعلاج أخطاء ثلث عدد الحكام، ثم نصفهم، ثم نتوسع فنعالجهم جميعا.. المهم ألا نكتفى بالصراخ والعويل ومواصلة تعليق خيباتنا على شماعة التحكيم. لمزيد من مقالات ◀ سمير الشحات