احتفلنا الأسبوع السابق برأس السنة المصرية القديمة، الإبداع الحضارى الذى وضعه العالم توت أو تحوت وهو صاحب الفضل على العالم كله لقياس الزمن، ولكنه أيضاً صاحب أول خطوط كتابة فى التاريخ. بل وبها بدأ التاريخ لأنه قبل الكتابة لم تكن هناك إمكانية توثيق ولا الاحتفاظ بالتاريخ ومعرفته. وهذا ما حدث حين فقدت الأبجدية المصرية القديمة قبل اكتشافها من قبل العالم شامبليون عام 1822م. وبداية اللغة المصرية القديمة كانت الهيروغليفية وتعنى النقش المقدس فى حدود أربعة آلاف قبل الميلاد. واستخدم للنقش على المعابد والمسلات والكتابة على البردي. وكان عبارة عن كتابة بحروف تصويرية. ثم تطور إلى الخط الهيراطيقى أى الكهنوتي، وسمى كذلك لأن الكهنة كانوا يستخدمونه فى الكتابة. ثم ظهر الخط الديموطيقى أى الشعبى فى زمن الأسرة الخامسة والعشرين وهى الأسرة الكوشية أى الأثيوبية عام «736-657ق.م» وهى كتابة أسهل وأسرع من الهيراطيقي. وبدخول البطالمة مصر نشروا اللغة اليونانية وصارت اللغة الرسمية وبدأ المصريون يتكلمون اليونانى مع الديموطيقي. واللغة الديموطيقية مثل العربى لا توجد بها حروف للحركات الصوتية فأصبح هناك احتياج للكتابة بحروف جديدة على الأحرف المصرية القديمة فدخلت الحروف اليونانية الأربعة والعشرون بالإضافة إلى سبعة أحرف من الخط الديموطيقى لتتكون الكتابة القبطية. ولكن ظلت مفردات اللغة هى المصرية القديمة وهذا ما جعل شامبليون يستعين بكاهن قبطى يدعى يوحنا الشفتشى وسجل هذا فى مذكراته يقول: سلمت نفسى بالكامل إلى اللغة القبطية لقد أصبحت قبطياً لدرجة أن تسليتى الوحيدة هى ترجمة ما يخطر على بالى باللغة القبطية. وقد تتبعت تماماً تسلسل الروابط لهذه اللغة ثم حللت كل شيء تحليلاً كاملاً وهو ما سيعطينى دون أدنى شك المفتاح اللازم لحل اللغز وفك شفرة نظام الأحرف الهيروغليفية وقد ذُكر هذا الكاهن ضمن العلماء الذين ساعدوا فى إعداد و كتابة وصف مصر. وقد ظلت اللغة القبطية هى لغة المصريين بعد دخول العرب مصر عام 641م إلى أن أصدر الوالى عبدالله بن عبد الملك أخو الخليفة الأموى الوليد بن عبد الملك قراراً عام 706م بإبطال التعامل باللغة القبطية وتعريب كل الدواوين والمعاملات الرسمية. ولكن ظلت اللغة القبطية هى لغة المصريين بجانب اللغة العربية التى بدأت فى الدخول إلى حياة الأقباط ثم جاء قرار الحاكم بأمر الله «986-1021م» وأمر بعدم استخدام اللغة القبطية فى المنازل والطرق ومن هنا بدأت اللغة تنحصر فى العبادات بالكنيسة وداخل البيوت على استحياء. ويقول المقريزى عن دير جنوبأسيوط «الأغلب على نصارى هذه الأديرة معرفة القبطى الصعيدى ونساء نصارى الصعيد وأولادهم لا يكادون يتكلمون إلا القبطية»0، وقد زار فانسيلب الراهب الدومينكانى مصر عام 1672م ويقول: إنه قابل شيخاً وامرأة عجوزاً يتكلمان القبطية. ويقول عالم المصريات ماسبيرو عام 1908م: من المؤكد أن سكان صعيد مصر كانوا يتكلمون ويكتبون باللغة القبطية حتى بداية القرن السادس عشر. فى بداية حكم الأتراك وقد جذب اهتمام علماء الدراسات الشرقية فى الغرب المخطوطات القبطية منذ القرن السادس عشر فقد جاء أحد نبلاء روما وهو بيتر ديلا عام 1652م وأخذ مخطوطات قبطية من مصر. وخلال القرن السابع عشر كانت كل مكتبات ومتاحف الغرب توفد مندوبين لاقتناء المخطوطات القبطية. وفى القرن التاسع عشر اهتم البابا كيرلس الرابع 1854م بإحياء اللغة القبطية وقد عمل على تعليمها فى كل المدارس القبطية التى أنشأها فى كل القطر المصري. وقد يظن البعض أن اللغة القبطية اندثرت ولم يعد لها وجود ولكن بالنظر إلى لغتنا العامية نكتشف أننا لا نزال نتكلم ببعض الكلمات القبطية وهذا لأننا نتاج حضارى متفاعل فى الشخصية المصرية منذ أجدادنا القدماء حتى الآن. فمثلاً فى اللغة القبطية الثاء تتحول إلى تاء لذلك تجدنا نقول على الثعلب تعلب، الثلج تلج، وتلاجة، وتقيل، وتوم. وأيضاً لا يوجد فى القبطى حرف الذال لذلك تتحول فى اللغة العامية إلى الدال، مثل الآدان على الآذان، دبح على ذبح، دراع، دقن، دهب. وحتى فى القواعد نجد القبطية تدخل فى العامية وعلى سبيل المثال حالات النفى فى العامية مش وهى مركبة من حرف الميم وهى تعنى فى المصرية القديمة لا، وحرف الشين وتعنى فعل فنقول مش قادر، مش فاهم، أو مأكلتش. بجانب أسماء الإشارة «دا- دي- دول»، ثم نأتى إلى المفردات التى نتكلم بها:مثل ولد ونقولها ياله، ننوس = لطيف، جلبية = ما يلبس فوق الثياب، فوطة = منشفة، راكية = حطب مشتعل، كنافة = عجين يسوى على شكل خيوط، شوح اللحمة = يشوى اللحمة، أو: صرخة ألم أو تأفف، شى حرف قسم لذلك نقول شى لله يا عذراء أى بالله يا عذراء، شلة = مجموعة، بظرميت = أحمق، خربط= صار مختل العقل، بُرش= حصيرة، سُك= أجذب أو مثل سك الباب، طنش= يعنى صامتاً عديم السمع، لقش = تهكم أو سخرية، وضب = رتب، يا = حرف تخيير أى ياده ياده يعنى إما هذا أو هذا. أديني = أعطني، إخ = عفريت ومنها أخيه وحرف الباء أداة التعريف تكون بخ = تخويف الأطفال ومنها إخس أى التورط فى عمل شيطاني. أرف = دود ومنها الأرافة أو القرافة أى المقابر. أراجوز = من كلمتين إير تعنى يعمل، وجوز = كلام وهى تعنى حكواتى وسط الناس. إش = حلو ونقولها إش إش، أشتو = طلاسم سحرية ونقول اشتاتاً أشتوت، أخبش = نظره ضعيف. اكريما = اكرامية، أهوه = هو كده خلاص. أوباش = ملاعين، ايلاهوب = ايلا تعنى كثير وهوب يعنى عمل وهى تعنى عمل كثير، هذا كله على سبيل المثال فنحن المصريين نحمل بصمات حضارات أرضنا الطيبة. لمزيد من مقالات القمص أنجيلوس جرجس