لو قيل من ربع قرن فقط إن من يمتلك ناصية تكنولوجيا الاتصالات والأقمار الصناعية ومواقع التواصل الاجتماعى والعالم الافتراضى سيتمكن من تطويع العادات والسلوك والتقاليد الاجتماعية والقيم الثقافية لشعوب العالم لوصف بالجنون والجموح، ولكن الواقع الآن يؤكد صدق تنبؤ علماء المستقبل الذين كانوا ذوى بصيرة ثاقبة حينما أكدوا أن تكنولوجيا العالم الافتراضى ستقود التغيير فى الألفية الثالثة، وها قد أصبحت واقعا ملموسا ليس فقط فى إنتاج سلع جديدة وخدمات وتغيير طرق الإنتاج، بل أيضا فى المعايير الاجتماعية والقيم ، وهى بالتحديد مثار اهتمامى فى هذه السطور... وبناء على تنبؤات علماء المستقبل بنى الساسة فى أوروبا وأمريكا وأذنابهم وأتباعهم خططهم التى جعلت الكذب يتجول فى العالم كله لابسا ثياب الصدق محققا كل رغباتهم فى نشر فوضى تكذيب الصدق وتصديق الكذب من خلال حروب كلامية وإعلامية صنعوها عبر وسائل اخترعوها وسعوا من خلالها للتغلب على الطرف الآخر الذى يحاربونه لتدمير قوته وكيانه وفرض إرادتهم عليه ، وما الحرب فى معناها البسيط سوى صراع بين طرفين لفرض الإرادة بالقوة، وما الحرب الإعلامية إلا بث الأفكار والشائعات والمعلومات الخاطئة والمغلوطة وغير السوية بين الناس من خلال الفضائيات والإذاعات والإنترنت والجرائد بهدف تغيير وجهات النظر وتسييرها باتجاه ماهو مطلوب منها وتحقيق التضليل الإعلامى والتلاعب بالرأى والوعى العام وسلوك المواطنين، وإضافة إلى هدف أخطر وأهم أتاحته حروب التواصل الافتراضى وهو تغريب المجتمعات عن عاداتها وتقاليدها وأخلاقها ودينها وهو ما يحدث بالضبط الآن فى مجتمعاتنا وهى حرب باردة لا يمكن التنبؤ بنهايتها وفى كثير من الأحيان لا يمكن معرفة المسئول عنها وهى تأتى مرافقة لبقية أنواع الحروب عسكرية وسياسية واقتصادية، والعالم الآن يغلى ويكوى بالحروب الاقتصادية وإفساد عقول الشباب والأمة ونشر الفوضى وإرباك صفوف الشعوب لصالح شريحة صغيرة فى العالم من سياسيين ورجال مال وأعمال وعلى رأسهم الصهيونية العالمية التى مازالت تنخر فى عظام أمتنا العربية. إن الإنترنت والفيس بوك وتويتر وغيرها حروب تقوم وتخمد ، ثورة يناير قامت بالإنترنت، باراك أوباما وصل إلى رئاسة أمريكا بالإنترنت وليس الصحافة، وكذلك دونالد ترامب. الناس تتساءل ماذا سيكون شكل العلاقة بين أفراد المجتمع بعد عشرين عاما فى ظل الوضع القائم الآن من تبادل المشاعر والعواطف افتراضيا واستقاء المعلومات من الإنترنت. بسبب انتشار الفيس بوك وأجهزة المحمول يرى الأطفال فى العالم قبل سن العاشرة 100 ألف مشهد عنف ودم وقتل واغتصاب مما يسبب لهم نوعا من التبلد العاطفى فى رؤية منظر الدم والإقبال عليه، كما أن الإفراط فى استخدام الإنترنت دون رقابة يجعل الأطفال والمراهقين يشاهدون بعض الممارسات الخاطئة التى تفوق عقولهم وتصوراتهم ثم ينعكس ذلك على أفكارهم وسلوكهم. إن من أهم نتائج حروب التواصل الافتراضى التى شنتها مراكز القوى الجديدة فى العالم أن أصبحت الصورة وليس الأصل والشكل وليس المضمون والفبركة هى واقع حياتنا بامتياز ،ولا يمكننا الحصول على كل الحقيقة فى زحام اللقطات السريعة،و بالتالى لا مثابرة، لا كفاح لا اتقان فى أى شىء ومن ثم ضياع الثقافة والمعرفة. الآن يريدون التلاعب بالذاكرة والتحكم فيها بالحذف أو الإضافة عن طريق عقار يجربونه فى نيويورك حقنوا به فأرا فنسى أشياء كان قد تعلمها من قبل من خلال تجارب ، يقول العلماء إنه تحد لاستهداف معلومات وذكريات معينة دون الأخرى والاستفادة من ذلك فى حل مشكلات نفسية. هذه نيات العلماء النبيلة لخدمة المرضى فماذا عن استخدام ذلك فى الحروب القذرة التى تتم الآن؟. ماذا بعد أن أصابتنا هذه التكنولوجيا فى مشاعرنا وعواطفنا والروابط الاجتماعية الجميلة التى تقطعت ، قد أصبحنا نرى الأشياء ببصرنا فقط فعميت قلوبنا وفرغت عقولنا فهل سنظل مستسلمين لهذا الوضع أم سننظر إلى مستقبلنا بذكاء وفطنة، اللهم زكى نفوسنا. لمزيد من مقالات ◀ سهيلة نظمى