ما بين أصوات نبراتها محايدة تفتقد حميمية وخصوصية التواصل الإنسانى مع كل فرد على حدة، تعلنك انك العميل رقم كذا فى قائمة الانتظار أو تستحثك لتهرول صوب شباك بعينه كى لا تفقد دورك، وبين أوراق وإن تفاوتت مقاساتها تتفق فى أن الأرقام التى تحملها تثبت أو تنفى وجودنا وتاريخ حياتنا على هذه الأرض أو أى أرض أخري، وان ظل ترابها أو أسفلت طرقاتها يحمل آثار خطواتنا، يبدو وكأن الحياة تقلصت فى مجرد مجموعة أرقام وأن كل فرد منا تحول لرقم كبير تندرج تحته سلسلة من أرقام تبدأ برقم يزين شهادة ميلاد وآخر يعلن الرحيل وما بينهما أرقام لشهادات وبطاقات وسجلات .. مع ذلك فإن كل هذه الأرقام التى تثقل كاهلنا ليست كافية ولا تعد مصوغات مقبولة لنحمل صفة أو شهادة المواطنة الرقمية ..والحكاية باختصار أنه مع سرعة تطور التكنولوجيا الجديدة منذ العقد الأخير للألفية الثانية واستخدام الانترنت بشكل متواصل منتظم ظهرت مجموعة جديدة من المصطلحات التى تحمل فى ثناياها تقسيمات وأوضاعا تمس حياة أبناء الألفية الثالثة ومن لحق بها من بقايا أجيال الألفية الثانية، من قبيل المواطن الرقمى والزائر الرقمى و المهاجر الرقمى والهوة الرقمية والمشاركة الرقمية إلخ.. ومصطلح المواطن الرقمى الذى روج له الكاتب الأمريكى مارك برينسكى يشير للأشخاص الذين ولدوا فى العصر الرقمى فيما يطلق اسم المهاجر الرقمى على كل شخص ولد قبل التطور التكنولوجى الجديد و لكنه تبناه فى وقت لاحق من حياته ..وتندرج تحت وصف المواطن الرقمى عدد من السمات منها استخدام تكنولوجيا المعلومات بشكل منتظم وفعال من أجل الانخراط فى المجتمع وتوظيف المهارات التكنولوجية أو المشاركة فى أى وظيفة إلكترونية والتفكير النقدى والقدرة على التيقن من المعلومة و الاستفادة منها والبناء عليها للوصول لفكرة أو منظومة جديدة . وعلى الرغم من أن المواطنة الرقمية قد تبدأ عندما يحصل أى طفل أو مراهق أو شخص بالغ على عنوان بريد إلكترونى أو يقوم بنشر الصور على الإنترنت أو يستخدم التجارة الإلكترونية لشراء البضائع عبر الإنترنت إلا أن برينسكى اعتبر أن كل ما سبق لا يكفى لبناء مواطن رقمى شرعى قادر على التكيف مع معطيات وأخلاقيات وتحديات مختلفة فرضتها تكنولوجيا المعلومات الحديثة . واستنادا على عدد من الأبحاث أجريت فى ما يقرب من 100 فريق طلابى فى 40 دولة، أكد برينسكى أن التكنولوجيا الجديدة غيرت الطريقة التى يقرأ بها الطلاب اليوم المعلومات ويدركونها، وبالتالى دعا لتغيير المناهج وطرق التدريس لتناسب الشباب الذين لا يعرفون سوى الثقافة الرقمية لتحسين العالم ورفع كفاءة المواطن والتكيف مع متطلبات وتحديات العالم الجديد ودمج ما هو مهم من الماضى مع أدوات المستقبل. وأوضح برينسكى أنه على الرغم من استخدام تقنيات التكنولوجيا الحديثة فى المدارس، إلا أن وجودها سطحى لا يواكب متغيرات البيئة التعليمية ولا الطلاب ولا المجتمع. وأشار برينسكى إلى أن تاريخ الميلاد إذا ما توافق مع العصر الرقمى لا يكفى لكى يصبح الشخص مواطنا رقميا ولا يمنح المهاجرين ، أو بمعنى اصح من ينتمون للأجيال السابقة لعصر «الرقمنة»، حتى لو تعاملوا مع التكنولوجيا الحديثة صك اعتراف بمحو الأمية الرقمية أو المواطنة الأصيلة لعدم استيفائهم لشروطها.. فى ظل هذه الأجواء تتعدد المفاهيم التى تستحق التوقف أمامها ومن بينها مفهوم الزائر الرقمى الذى يتعامل مع الانترنت فى حدود ضيقة فى مقابل الساكن الرقمى الذى يمارس جزءا لا يستهان به من حياته عبر الانترنت ،وهو المفهوم الذى روج له كل من الكاتبين مارك برينسكى ، ديفيد س. وايت ،والذى استدعى بدوره مفاهيم جديدة حول الأمية الرقمية والمهارات الرقمية والهوة الرقمية وغيرها من المفاهيم التى أظن انه حان الوقت للتعامل معها بعد أن أصبحت تمس عصب حياتنا اليومية. وللحديث بقية لمزيد من مقالات سناء صليحة