استعرت عنوان المقال من كتاب رائد ومتميز لأستاذتنا الدكتورة عواطف عبدالرحمن- أستاذة الصحافة بكلية الإعلام جامعة القاهرة. ويبدو أن هموم الصحافة والصحفيين لا تتوقف، حيث أتابع مع غيري، أحوال الصحافة وهموم الصحفيين فى المرحلة الراهنة، ولعل أكثر ما يشغل بال الكثير من الصحفيين وغيرهم من المثقفين والباحثين تلك المنافسة القوية التى تدور رحاها بين الصحافة الورقية من جهة والصحافة الإلكترونية وغيرها من أشكال الإعلام الجديد من جهة أخري، تلك الأخيرة التى تعاظم شأنها خلال السنوات القليلة الماضية بفضل تنامى شبكة الإنترنت والتقدم الهائل الذى يشهده مجال تكنولوجيا الاتصال والمعلومات يومًا بعد آخر، الأمر الذى انعكس على الوقت والجهد والكلفة المادية، وكان له تأثير واضح على عادات القراءة. وإذا كان من الملاحظ أن هناك أكثر من تيار، فإن لكلٍ وجاهته المنطقية وحججه القوية، تيار يرى حتمية موت الصحافة الورقية (القومية والحزبية والخاصة على السواء) وانتهائها إن آجلا أو عاجلا بسبب مشكلات ارتفاع أسعار الورق والطباعة والنقل والتوزيع وتغير طبيعة القراء، وغيرها، وتيار آخر يرى استمرارية الصحافة الورقية مع الاستفادة مما أتاحته التكنولوجيا الحديثة من تطورات وتسهيلات طالت العمل الصحفى وعملية إنتاج الصحيفة وطباعتها وتوزيعها. من جانبى أميل إلى التيار الثاني، فمن الملاحظ تاريخيًا أنه لم تظهر أى وسيلة إعلامية جديدة ألغت ما قبلها من وسائل، ذلك أن لكل وسيلة جمهورها الذى يحرص عليها، فظهور الصحيفة لم يلغ الكتاب، وظهور الراديو لم يلغ الصحف، وظهور التليفزيون لم يلغ الراديو، ومع ظهور الإنترنت استفادت وسائل الإعلام التقليدية، حيث أسست مواقعها الإلكترونية، واستفادت من شبكات التواصل الاجتماعى فى نقل رسائلها وزيادة حجم جمهورها والتفاعل معهم، كما استفاد صحفيوها فى عملهم الميداني، ومن جانب آخر مازال هناك البعض الذى يفضل قراءة الصحف الورقية «المطبوعة». ويتطلب الحفاظ على حياة الصحافة الورقية وسائل إبداعية وطرقًا جديدة ومبتكرة، على مستوى الدولة والجمهور والصحف والصحفيين ومؤسسات التعليم الإعلامي، ومن الحلول المقترحة التى تتردد على الساحة بين الحين والآخر: تأكيد حرية الرأى والتعبير، فى ظل عملية التحول الديمقراطى التى يجتازها المجتمع المصري، حتى يستطيع الصحفيون التعبير عن هموم المواطنين، وحتى يتسع الدور النقدى للصحافة كأداة رقابة على أداء مؤسسات المجتمع، وهنا تكون الصحافة أحد أذرع الدولة المصرية فى تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة. وترسيخ عادة القراءة وتنميتها لدى الأطفال والشباب من خلال الأسرة ومؤسسات التعليم. تطوير المحتوى الصحفى الذى يجذب القارئ ويربطه بالصحيفة، عبر الاهتمام بما وراء الخبر، بالتحليل والحوار والتحقيق ومواد الرأي، والاهتمام بالأقاليم والمجتمعات المحلية، وإعطاء مساحة مناسبة لمساهمات القراء، وهناك أفكار أخرى خاصة برفع سعر الصحيفة بصورة معقولة أو تخفيض عدد الصفحات، تأسيس مصنع لصناعة ورق الصحف، وتدوير مخلفات المؤسسات الصحفية، واهتمام المؤسسات الصحفية بتنفيذ مشروعات لها جدوى اقتصادية كتأسيس الجامعات والمعاهد، مثلما فعلت مؤسستا الأهرام وأخبار اليوم، وهو مجال استثمارى يحقق ربحًا وفائدة للمجتمع. إعلاء المعايير المهنية للصحافة، ومنها التوازن والحيادية والدقة والموضوعية، ما يحقق مصداقية الصحف، وهى معايير تفتقر إليها الكثير من مضامين وسائل التواصل الاجتماعي، والاهتمام بتدريب الصحفيين من خلال نقابة الصحفيين وغيرها من المؤسسات الصحفية، ومواجهة مشكلات الممارسة العملية، ومن ذلك أمان الصحفيين وسلامتهم، وحق الحصول على المعلومات، والبحث فى الأوضاع الاقتصادية للصحفيين. تطوير تعليم الصحافة والإعلام، ومن ذلك تحديث المقررات الدراسية بكليات ومعاهد وأقسام الصحافة والإعلام حتى تناسب التطورات الجديدة والتحديات المتلاحقة، وتعظيم الجانب العملى بالتواصل الفعال مع المؤسسات الصحفية وصحفييها، وإعادة النظر فى الأعداد المقبولة للدراسة، مع التدقيق فى اختيارهم، وأعلم أن هناك نية من جانب لجنة قطاع الإعلام بالمجلس الأعلى للجامعات لتغيير سياسات القبول عبر إجراء اختبارات ومقابلات للراغبين فى الالتحاق بدراسة الإعلام. إننى أدعو إلى عقد مؤتمر يناقش تلك الإشكاليات والتحديات، بالتعاون بين الأطراف المعنية: المؤسسات الصحفية ونقابة الصحفيين والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام والهيئة الوطنية للصحافة وكليات ومعاهد وأقسام الصحافة والإعلام، ولجنة قطاع الإعلام بالمجلس الأعلى للجامعات، ولجنة الإعلام بمجلس النواب، ومثيلتها بالمجلس الأعلى للثقافة، حتى نخرج بتوصيات ومقترحات عملية قابلة للتنفيذ والتطبيق، لعلها تنقذ صناعة الصحافة وتعالج هموم الصحفيين. لمزيد من مقالات د. رامى عطا صديق