فى قصص الأنبياء (عليهم السلام) دروس وعظات وعبر وحكم ، يقول الحق سبحانه وتعالى : فى سورة يوسف «لَقَدْ كَانَ فِى قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِى الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِى بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ» (111). وقصة سيدنا شعيب (عليه السلام) مليئة بالدروس والعبر ويأتى فى القلب منها: النهى عن تطفيف الكيل والميزان أو بخس الناس أشياءهم ، والجشع فى المعاملات، يقول الحق سبحانه وتعالى: فى سورة هود «وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّى أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّى أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ محيط»،(84) ويقول سبحانه على لسان شعيب عليه السلام: «وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِى الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (85) بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ وَمَا أَنَا عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ» (86)، ويقول سبحانه فى سورة الشعراء :«إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ (177) إِنِّى لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (178) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (179) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (180)أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ (181) وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ (182) وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِى الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ» (183). فالمال الناتج عن الغش سواء أكان غشًّا فى الكم أم فى النوع: فى الكم بتطفيف الكيل أو الميزان أو المقياس أو الكميات ، يقول الحق سبحانه وتعالى فى سورة الإنفطار: «وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3) أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ (4) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (5)» أم كان غشًّا فى النوع سواء أكان فى الغذاء أم الدواء أم الأدوات أم الآلات الإنتاجية أم الاستهلاكية فهو عين السحت، فمن يبيع طعامًا مضرا بالصحة أو لحمًا غير حلال على أنه لحم حلال ، أو يبيع طعامًا فاسدًا على أنه ما زال صالحًا للاستهلاك فهو فاسدٌ مفسدٌ غاشٌّ لنفسه وللمجتمع ، والنبى (صلى الله عليه وسلم) يقول: «من غشنا فليس منا». وفى رواية: «من غش فليس منا» بحذف المفعول ليشمل كل غش وكل غاش ، فعلى الإنسان أن يراقب الله (عز وجل)، وليعلم أنه إن أفلت من عقاب الناس فى الدنيا فلن يفلت من عقاب الله (عز وجل) فى الدنيا ولا فى الآخرة ، وهو ما فهمته ابنة بائعة اللبن فى عهد سيدنا عمر بن الخطاب (رضى الله عنه) عندما قالت لها أمها: قومى فاخلطى اللبن بالماء ، فقالت لها: يا أماه: ألم ينه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب عن مزج اللبن بالماء؟ فقالت لها: وأين عمر الآن؟ إنه لا يرانا ، فقالت لها البنت الصالحة : واللَّه ما كنت لأطيعه فى الملأ وأعصيه فى الخلاء، إن كان عمر لا يرانا ، فرب عمر يرانا. وحقَ لها فرَبُّ العزة (عز وجل) لا تأخذه سنة ولا نوم ، وإذ يقول الحق سبحانه فى سورة البقرة: «اللّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ» (255)، ويقول سبحانه على لسان لقمان (عليه السلام) فى سورة لقمان: « يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِى صَخْرَةٍ أَوْ فِى السَّمَوَاتِ أَوْ فِى الأرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ» (16)، ويقول سبحانه فى سورة المجادلة: «أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِى السَّمَوَاتِ وَمَا فِى الأَرْضِ ما يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ» (7). وقد نهى سيدنا شعيب قومه عن الفساد والإفساد فى الأرض ، يقول الحق سبحانه فى سورة العنبكوت: «وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ وَلَا تَعْثَوْا فِى الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ» (36)، ويقول سبحانه على لسان شعيب فى سورة الأعراف: « وَلَا تُفْسِدُوا فِى الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ» (85).. وقد حذرهم (عليه السلام) من غضب الله عليهم إن أصروا على جحودهم وعنادهم ، فلما عتوا وتجبروا أخذتهم الصيحة وعذاب يوم الظلة فأصبحوا فى ديارهم جاثمين، كما أخبر القرآن. لمزيد من مقالات د. محمد مختار جمعة وزير الأوقاف