بخطوط سوداء وبيضاء، رسم أوطانا مؤمنا أنه لا مكان فيها للرمادية، لم يكن رساما بل كان جراحا، وكانت ريشته بحق مشرط جراح، هذا ما حلم به، وهذا ما ثبت بعد ثلاثة عقود مضت على وفاته، فلا يزال «حنظله»- وهى الشخصية الأشهر لرسوماته - تحيا وتستمر وتكبر، ولا سيما من خلال جيل الشباب، ولا يزال فكره - فكر ناجى العلي- حاضرا وثابتا ومتوارثا. والعلي، ابن قرية الشجرة، كان عمره 11 عاما عندما حلت «النكبة» عام 1948، فهاجر مع آخرين إلى مخيم عين الحلوة فى لبنان، وكُتب عليه فيما بعد التنقل بين لبنان والكويت ولندن، التى توفى فيها. وفى ذكرى رحيل فنان الكاريكاتير المبدع الفلسطينى - والتى تحل خلال أيام فى 29 أغسطس 1987- ، نقف عند محطات فى حياة إنسان رسم الأفكار والمعتقدات، فاستحق بجدارة أن يكون رمزا من رموز قضية إنسانية وعالمية وهى قضية فلسطين، فالعلى اكتسب صفة العالمية، معبرا بريشته وشخصية أيقونة «حنظله»، عن الاضطهاد والظلم الذى تتعرض له الشعوب المقهورة، وعن المقاومة ضد الغزو والاحتلال الإسرائيلى لفلسطين، حيث أطلق عليه قاتل الرصاص فى أحد شوارع لندن. وقد قاوم العلى باللوحة والكلمة كل أشكال الهيمنة والاستبداد والظلم فى منطقتنا والعالم. فهو القائل: «يا وطنى كل العصافير لها منازل إلا العصافير التى تحترف الحرية، فهى تموت خارج الأوطان» كلمات خالدة لرسام الكاريكاتير الفذ ناجى العلي، وقال أيضا: «الطريق إلى فلسطين ليست بالبعيدة ولا بالقريبة، إنها بمسافة الثورة»، وكان فى كل رسوماته، ناطقًا ثوريًا شعبيًا عن المضطهدين فى وطننا العربى والعالم، وقد اعتقد القتلة - من قرر وخطط ونفذ- بمختلف تسمياتهم، أن موت ناجى سينهى وجوده. لكن «حنظله»، الشاهد الحي، مازال فى وجدان وضمير كل مناضل وإنسان يتوق للحرية، فقد سقط الجسد لكن الفكرة باقية كما قال الراحل غسان كنفاني، الذى كان أول من نشر للعلى رسوماته. وأتخيل جدلا أن ناجى العلى حى بيننا اليوم، فهل كان سيتحمل كل هذه النكسات والحروب والانقسامات؟ وعن ماذا كان سيرسم؟ هل كان سينشئ أيقونة جديدة لأطفال سوريا واليمن والعراق والسودان والصومال وليبيا؟ أظن ذلك، «فحنظله» الفلسطينى يريد رفاقا يبددون وحشة صمته.