قليل جدا من الصحفيين هم الذين يهتمون جديا بالمناقشات الجارية في الجمعية التأسيسية للدستور حول حريات الصحافة والإعلام وما يتعلق بها من رأي وفكر وتعبير. وقل مثل ذلك عن الإعلاميين في وسائل الإعلام الأخري المرئية والمسموعة والعاملين في وسائل الإعلام الرقمي وغيرها. وأقل منهم أولئك الذين يتابعون عن كثب ما يحدث في الجمعية التأسيسية بشأن حرياتهم وحقوقهم التي لا تعتبر خاصة بهم أو ميزة لهم, بل ضمانة أساسية من ضمانات الحرية التي قامت ثورة25 يناير من أجلها ووضتعها في مقدمة أهدافها. فلا حرية لبلد, ولا في بلد, دون صحافة ووسائل إعلام حرة وبغير صحفيين وإعلاميين متحررين من القيود والوصاية والهيمنة. ومع ذلك فالمفترض أن يكون الصحفيون والكتاب وغيرهم من الإعلاميين هم أول من يعنون بحقوقهم وحرياتهم في مشروع الدستور الجديد. ولكن ليس كل ما نتمناه ندركه. فحتي الصحفيون الذين يتابعون أعمال الجمعية التأسيسية يبحث معظمهم كل يوم عن جديد في القضايا الأكثر إثارة للخلاف والأشد ارتباطا بالصراعات السياسية والفكرية. وقليلا ما يلتفتون إلي قضية حرية الصحافة والإعلام. ويفوتهم أن الاهتمام بهذه القضية يدعم موقف أعضاء الجمعية المدافعين عنها في أجواء غير مواتية بسبب القلق الشائع في المجتمع من أداء بعض الصحف ووسائل الإعلام وانعكاسه علي المناقشات حول ضمان حريتها واستقلالها. وينبغي, هنا, توجيه التحية والتقدير للأستاذ صلاح عيسي, لاهتمامه المستمر ودأبه في متابعة أعمال الجمعية التأسيسية والتعليق عليها في مقالات عدة في الأهرام والمصري اليوم وتواصله المستمر مع كاتب السطور والزميل ممدوح الولي نقيب الصحفيين في هذا الشأن. وكان لدوره هذا, واهتمام قليل من شيوخ المهنة وشبابها, أثر ملموس في دعم جهود أعضاء الجمعية المؤمنين بقضية حرية الصحافة والإعلام. ومع ذلك يظل ضروريا أن يقوم أكبر عدد ممكن من الصحفيين والإعلاميين بدورهم في متابعة أعمال الجمعية التأسيسية في هذه القضية والاهتمام بها سعيا إلي دعم الجهود المبذولة لمواجهة القيود الجديدة المتضمنة في بعض المقترحات التي ناقشتها لجنة الصياغة في قراءة أولي. ومن ذلك مثلا النص للمرة الأولي في دستور مصري علي الحبس في جرائم النشر مع التوسع في هذه العقوبة المشينة بما يتجاوز قانون العقوبات. فالنص المقترح في الدستور يعيد الحبس في قضايا السب والقذف مثلا بعد أن نجح نضال أصحاب الرأي في إلغائها في القانون. كما يعيد وقف وتعطيل الصحف بغير الطريق الإداري رغم إلغائهما في القانون باعتبارهما من العقوبات الجماعية التي تعاقب من لا ذنب لهم. وإذا استمر هذا الاتجاه, فسيكون قانون العقوبات أرقي من زدستور الثورةس الذي سيصبح في هذه الحالة ردة في مجال الحقوق والحريات العامة. كما تتضمن المواد المقترحة نصوصا ينبغي مراجعتها. ومن ذلك مثلا, مراجعة عبارة (بما لا يمس حرمة الحياة الخاصة أو حقوق الغير) التي وردت في نهاية المادة المقترحة التي تنص علي أن (حرية الفكر والرأي مكفولة, ولكل إنسان حق التعبير عن فكره ورأيه بالقول أو الكتابة أو التصوير أو غير ذلك من وسائل النشر والتعبير بما لا يمس حرمة الحياة الخاصة وحقوق الغير). وفي وجود هذه العبارة الأخيرة تكرار معيب لوجود نص آخر في مشروع الدستور يؤكد عدم المساس بحرمة الحياة الخاصة بشكل مطلق سواء في التعبير عن الفكر والرأي أو غيرهما. كما أن حقوق الغير تشمل بالضرورة وبحكم التعريف حرمة حياته الخاصة وغيرها من الحقوق التي ينظمها القانون في مواضع عدة لأنها بطابعها متعددة ولا يجمعها جامع. وهناك أيضا المادة المقترحة التي تنص علي أن (حرية الصحافة والطباعة والنشر وغيرها من وسائل الإعلام مكفولة, والرقابة علي الصحف وإنذارها أو وقفها أو إلغاؤها بالطريق الإداري محظور, ويجوز استثناء في حالة إعلان الحرب أن تفرض علي الصحف ووسائل الإعلام رقابة محددة). وفضلا عن أن هذه المادة تعني أن وقف الصحف بغير الطريق الإداري مباح بما يتعارض مع قانون العقوبات كما سبق, تفيد هذه الصياغة أن الرقابة المسبقة علي وسائل الإعلام الأخري بخلاف الصحافة مباحة. ولذلك لابد من تعديلها بحيث تكون الرقابة محظورة علي مختلف وسائل الإعلام. فالتمييز بين الصحافة وغيرها يقتصر علي مسألة الإخطار والتصريح المسبق فقط. فالصحف تصدر بمجرد الإخطار, بخلاف المحطات التليفزيونية والإذاعة التي تحصل علي تصريح بث. كما أن عبارة (مادامت غاياتها ووسائلها مشروعة) والمقترح إضافتها تفرغ حرية الصحافة ووسائل الإعلام من مضمونها وتفتح أمام المشرع أبوابا لا نهائية للعصف بها إذا أراد ذلك. ولذا ينبغي أن تعاد صياغة هذه المادة بما يضمن أساس حرية الصحافة وغيرها من وسائل الإعلام علي النحو التالي:( حرية الصحافة والطباعة والنشر وسائر وسائل الإعلام مكفولة, والرقابة عليها محظورة. وإنذار الصحف أو وقفها أو إلغاؤها محظور. ويجوز استثناء في زمن الحرب فرض رقابة محددة علي الصحف والمطبوعات وغيرها من وسائل الإعلام). وفضلا عن ذلك تخلو المادة التي تتضمن استقلال المؤسسات الصحفية القومية وتليفزيون الدولة من تحديد المقصود بهذا الاستقلال وبالتالي الجهات التي ينبغي أن تكون مستقلة عنها, ولذلك ستكون صياغة المادة مبتسرة إذا بقيت كما هي: (تكفل الدولة استقلال الصحف ووسائل الإعلام التي تملكها أو ترعاها باعتبارها منبرا للحوار الوطني) بدون تحديد. ولذلك لابد أن تكون الصياغة كالتالي: (تكفل الدولة استقلال الصحف ووسائل الإعلام التي تملكها أو ترعاها عن سلطات الدولة وأجهزتها والأحزاب السياسية, وبما يؤكد دورها في التعبير عن مختلف الآراء والاتجاهات السياسية والمصالح الاجتماعية. وينظم القانون إدارتها علي أسس مهنية وديمقراطية واقتصادية سليمة, ويضمن حقوق مختلف الأحزاب والجماعات السياسية في مخاطبة الرأي العام من خلالها). وهذه كلها تعديلات محدودة في حجمها ولكن لانهائية في قيمتها وأثرها في مستقبل ما يمكن اعتباره أم الحريات في عصرنا هذا الذي تلعب الصحافة والإعلام فيه دورا لا سابق له في التاريخ. المزيد من مقالات د. وحيد عبدالمجيد