ملحمة وطنية شهدتها قاعة مجلس الشعب أمس تكاملت فيها آراء الأغلبية والمعارضة عند مناقشة المجلس برئاسة الدكتور أحمد فتحي سرور نتائج الاجتماع غير العادي لوزراء مياه حوض النيل بشرم الشيخ. الذي رفضت خلاله مصر التوقيع علي الاتفاق الإطاري لدول حوض النيل. لم تشهد الجلسة آراء اندفاعية متهورة نظرا لحساسية القضية التي يتم مناقشتها وحذف المجلس من المضبطة عبارة حرب من أجل المياه التي قالها النائب عبدالرحيم الغول واعتذر عنها لاحقا. وأوضح الدكتور زكريا عزمي أن قضية ماء النيل هي قضية حياة أو موت وهو ما يتطلب من المجلس التحلي بالحكمة خلال مناقشته هذه القضية الحساسة مؤكدا أن وزير الخارجية يقوم حاليا بجولة بدول حوض النيل محملا برسائل من رئيس الجمهورية لرؤساء تلك الدول. وأكد النواب أهمية تسوية نقاط الخلاف بين دول حوض النيل وتحويلها إلي نقاط للتعاون والاتفاق. ومن جانبه أكد الدكتور محمد نصر علام وزير الري والأشغال المائية أن مصر لن توقع علي الاتفاق الإطاري لدول حوض النيل, إلا في حالة وجود نص صريح يحافظ علي الحقوق والاستخدامات المائية الحالية, مشيرا إلي أن توقيع مصر مشروع الاتفاق بصفته الحالية دون حل نقاط الخلاف العالقة لايخدم المصالح المصرية ويضر بالحقوق المقررة لمصر بموجب الاتفاقات الدولية التي مازالت سارية بين مصر ودول المنبع. وقال علام إنه إذا ما أقدمت دول المنبع علي التوقيع منفردة علي مشروع الاتفاق الإطاري فإن ذلك يعد مخالفة قانونية للقواعد الإجرائية المتفق عليها في مبادرة حوض النيل والتي تقضي بأن يكون تبني مشروع الاتفاق بتوافق الآراء وليس بالأغلبية وبالتالي تعتبر الاتفاقية خارج إطار المبادرة. وأكد الوزير خلال بيان ألقاه أمام المجلس حول نتائج الاجتماع غير العادي لمجلس وزراء مياه حوض النيل بشرم الشيخ أنه إذا ما أصرت دول المنبع علي التوقيع علي الاتفاق الإطاري فإنه لن يلزم مصر وليس له أي تأثير قانوني علي حقوقها التي تكفلها الاتفاقيات الحالية. وقال الوزير إن حصة مصر من مياه النيل محدودة وثابتة في ظل تعداد سكاني كبير ومتزايد يصل حاليا إلي82 مليون نسمة ونصيب المواطن يقل عن700 م3 في السنة أي أقل كثيرا من حد الفقر المائي وفجوة غذائية تتسع حتي وصلت إلي7 مليارات دولار في السنة, وتقوم الحكومة بجهود واستثمارات كبيرة لرفع كفاءة شبكات المياه لتصل إلي75% وهي من أعلي الكفاءات في منطقة الشرق الأوسط, وإفريقيا, وذلك حتي تستطيع أن توفر احتياجات المواطنين المائية, ولقد أعلنت مصر مرارا وتكرارا أن السبيل الوحيد في حوض نهر النيل هو التعاون لزيادة إيراده لمصلحة جميع شعوبه علما بأن إيراد نهر النيل من أقل إيرادات الأنهار الكبري في العالم. وأكد الدكتور مفيد شهاب وزير الشئون البرلمانية أن مصر لن تقبل أي مساس بحقوقها التاريخية في مياه النيل وفقا للقانون الدولي والأعراف الدولية, مشيرا إلي أن التعاون هو السبيل الوحيد بين مصر وباقي دول حوض النيل بما يحقق مصالح الجميع. وقال إن جميع الاتفاقيات التي أبرمتها مصر مع دول الحوض تنص علي عدم إقامة أي مشاريع علي نهر النيل تؤثر علي حقوق مصر في مياه النهر. وأضاف أن بعض دول الحوض ترفض الاعتراف بهذه الاتفاقيات بحجة أنها وقعت في ظل الاحتلال لكن معاهدة فيينا للتوارث الدولي للمعاهدات تنص علي سريان هذه الاتفاقيات بغض النظر عن تغيير أنظمة الحكم في البلدان الموقعة عليها. وشدد الدكتور شهاب علي أن حقوق مصر في مياه النيل لا يمكن التسامح فيها باعتبارها قضية حياة أو موت ولأن نهر النيل هو المصدر الرئيسي والوحيد للمياه في مصر علي عكس بعض دول حوض النيل الأخري. وخلال المناقشة العامة أكد الدكتور عبدالأحمد جمال الدين زعيم الأغلبية أن مصر لن تتعنت مع دول حوض النيل بل بالعكس تسعي لبناء علاقات قوية مع تلك الدول, وأوضح عبدالأحد أن ما تحصل عليه مصر والسودان من نهر النيل لا يتجاوز4% فقط من إيراد النهر, وهذا يتعارض مع ما يشاع بأن الدولتين تحتكران أعلي نسبة من إيرادات مياه هذا النهر. وقال النائب سمير موسي وطني إن مصر لم تبخل في أي وقت علي دول حوض النيل, وأبرمت العديد من الاتفاقيات منذ القدم مع تلك الدول ولم تنقض أي اتفاق معها. وأشار إلي أنه من خلال لغة الحوار والقنوات الدبلوماسية سنستطيع تجاوز هذه الأزمة. وقال محمود أباظة رئيس حزب الوفد إنه لا خلاف علي أن مياه النيل قضية حياة أو موت بالنسبة لمصر لكن كان واضحا أن دول حوض النيل تعارض اتفاقية عام1929 لتوزيع مياه النهر بين مصر ودول حوض النيل. وانتقد الأداء الرسمي في التعامل مع هذه القضية طوال15 عاما مؤكدا أن الوضع الذي وصلنا إليه الآن هو نتيجة لسوء الأداء المصري. ودعا مجدي علام الحكومة إلي دعم التعاون مع إثيوبيا في المجالات الاقتصادية والمائية, مشيرا إلي أن التنسيق يجب ألا يكون مقصورا فقط علي السودان. وانتقد غياب الدور المصري في دول حوض النيل, مشددا علي ضرورة أن يكون هناك دور للدبلوماسية الشعبية والإعلام والتعاون الاقتصادي والفني. وقال محمد خليل قويطة إن أمن مصر المائي في خطر وإن كل محاولات الاتفاق بين مصر ودول حوض النيل وصلت إلي طريق مسدود. وحذر من أن دول الحوض مصممة علي توقيع اتفاقية جديدة لتقاسم مياه النهر, بعيدا عن مصر والسودان. وعقب الدكتور محمد نصر علام قائلا إن قضية المياه ليست مسئولية وزارة واحدة وإنما هي مسئولية الدولة بكل وزاراتها وأجهزتها السيادية. وأشار إلي أن هناك لجنة عليا للنيل برئاسة رئيس مجلس الوزراء تضم كل الجهات والوزارات المعنية وتجتمع بشكل منتظم مرة كل أسبوعين لمتابعة هذه القضية المهمة. وقال الوزير إن علاقتنا أبدية بدول حوض النيل ونحن حريصون علي استمرار التفاوض معها وصولا إلي اتفاق حول تقاسم مياه النيل دون المساس بحقوق مصر التاريخية. وطالب حسين مجاور رئيس لجنة القوي العاملة منظمات المجتمع الدولي بالاهتمام بالوجود في إفريقيا وفتح أسواق تجارية واقتصادية, مشيرا إلي أن الجهود الدبلوماسية بمفردها لا تستطيع وحدها دعم العلاقات, وأكد ضرورة عمل منظمات أصحاب الأعمال والمستثمرين علي الانتشار بدول حوض النيل لاستكمال الدور الشعبي بجانب الدور الدبلوماسي. وتساءل مصطفي السعيد رئيس اللجنة الاقتصادية عن الوسائل التي اتخذتها الحكومة للتعامل مع خلافات دول حوض النيل. وأشار محمد أبو العينين رئيس لجنة الصناعة إلي أن هناك شبكة من المصالح لدول خارجية مع دول حوض النيل وطالب بإيجاد مصالح مصرية مع تلك الدول لدعم العلاقات معها.