كان الإنسان قريبا من الطبيعة، تكاد تحدثه ويتحدث معها، بينهما تفاهم وتواصل. ثم تعقدت أحوال الحياة وانهمك الإنسان بما أطلق عليه التقدم والتصنيع والبناء وسائر جوانب السلوك الذى تنتهك الموارد. جعل يستنزفها إلى أن أصبح شريان الحياة، الذى هو الماء أقل من القدرة على الوفاء بمتطلبات البشر الذين زادت مطالبهم وتضاعفت أعدادهم. خلال ال 70 عاما الماضية زاد عدد سكان العالم ثلاث مرات كما زادت استخدامات المياه ست مرات بينما كمية المياه كما هى بل تناقصت وتدهورت نوعيتها انخفض نصيب الفرد من المياه من 12 ألف م3 عام 1960 إلى نحو 7000م3 عام 2000 ومن المتوقع أن ينخفض إلى 4000 م3 عام 2025. تصاعد الطلب على المياه لتزايد سكان العالم من 2.5 مليار شخص فى الخمسينيات الى 503 مليارات عام 1990 ومتوقع أن يصل إلى 8 مليارات عام 2025. الماء اسم يطلق على الحالة السائلة لمركب الهيدروجين والأكسجين، كان الفلاسفة القدماء حتى القرن ال 18يعتبرونه عنصرا أساسيا لكل المواد السائلة، ثم اكتشف العلماء أنه مركب من حجمين من الهيدروجين وحجم من الأكسجين. المياه قضية مصيرية أصبح لها علم متخصص «علم المياه» Hydrology يتناول المياه وتوزيعها فوق الأرض وصفاتها وخصائصها الطبيعية والكيميائية وتفاعلها مع البيئة والكائنات الحية. أبحاث المياه تصنفها إلى وفرة المياه، أو نقص المياه، أو الندرة، أو ما يطلقون عليه الضغوطات الناجمة بسبب المياه ويقصد بها تصاعد الخلاف بين المستخدمين، والمنافسة عليها التى تصل أحيانا الى حد الصراعات وتؤدى الى ما يعرف باسم «حروب المياه» تقوم بين بلاد أو جماعات تشارك بعضها البعض فى الأنهار والبحيرات. ويوجد فى العالم نحو 214 نهرا دوليا 57 منها فى إفريقيا ، 69 فى قارة أمريكا، 48 فى أوروبا، 40 فى آسيا نشير إلى بعضها: نهر الكيتو Cuito، الذى يمر فى بوتسوانا، ناميبيا وأنجولا فى جنوب قارة إفريقيا يؤدى الى علاقات متوترة بين الجيران. فى وسط وغرب إفريقيا، يعتمد 20 مليون شخص فى ست دول على بحيرة تشاد، التى قلت مياهها بمقدار95% فى خلال ال38 عاما الماضية، مما قد يهدد بأزمة سياسية بين هذه الدول.نهر اليرموك حائر بين سوريا والأردن وإسرائيل. نهرا تيجرز Tigris والفرات ينتظران فى الصف لمواجهة نفس المشكلة. فى إيران60% من السكان الذين يعيشون فى القرى يضطرون للهجرة الى وسط آسيا بسبب الجفاف.مستوى بحر آرل Aral، رابع أكبر البحار الداخلية سابقا فى آسيا قل بمقدار 16م ومساحته تقلصت الى النصف. فى الصين يوجد خزان مياه تحت سهل شمال الصين، انخفض مستوى الماء فيه بنسبة 1٫5م سنويا، فى حين تحتاج الصين الي1000 طن من المياه لانتاج طن من القمح، وبالتالى ستواجه ثلثا المدن الصينية مشكلة ندرة المياه. كما أن هناك ثمة تصاعد للغضب بسبب الانتصار بالمعرفة على الطبيعة، وذلك بسرقة الأمطار عن طريق الاستمطار، وهناك تنافس محموم لاستمطار الغيوم قبل مغادرتها، جزيرة «جاوا» الإندونيسية التى لا يسمح محيطها الطبيعى بوفرة الماء، يأتى المزارعون إلى حقولهم لرى محاصيلهم، مسلحين بفئوسهم ومطارقهم ليقاتل بعضهم بعضًا من أجل المياه المتضائلة. فى الهند يقل مستوى الماء من 1 الى 3م سنويا وتشير التوقعات الى أن باكستان سوف تنضم الى حالة الندرة. تسبب نهر «براهبيتنورا» فى التوتر بين الهندوالصين، وكذلك اشتعلت الخلافات بين «أنجولاب»و«بوتسوانا» و«ناميبيا» حول حوض مياه «أوكافانغو»، وكذلك النزاع بين «بنجلاديش» و«الهند» نتيجة فيضان نهر «الغانج» الذى يلحق الأذى بمواطنى «بنجلادش»، فيضطرون إلى الهجرة غير الشرعية إلى الهند؛ وهو ما ترفضه الهند، وهناك ضغوط وتوترات على طول الحدود «الأمريكية» «الكندية» بخصوص المياه الحدودية المشتركة، ومستقبل البحيرات. هناك نزاعات بين الولاياتالمتحدةوالمكسيك، حول نهر «ريو جر اندي»، الذى يشكل على امتداد مساره جزءًا من شراكة الحدود بين المكسيكوالولاياتالمتحدة. الصراع على المياه لا يقتصر على النزاع بين الدول بل يقوم داخل الدولة الواحدة ويشير الى بعضها د. فوزى فهمى وهو من الكتاب القلائل الذين أدركوا خطورة قضية المياه منها الصراعات التى تجرى داخل الولاياتالمتحدةالأمريكية، وفى الوسط الغربى منها، حيث دفعت أزمة الماء مجتمعات وصناعات، موجودة على طول نهر «كولورادو» إلى أن يقاتل بعضهم بعضًا على كميات الماء المتضائلة. كما أقامت ولاية «مونتانا» دعوى قضائية ضد ولاية «وايومنج» لحصولها على حصة ماء أكثر من حصتها، كما أن النمو السكانى لكل من ولايتى «نيفادا» و«يوتا» تسبب فى خلاف شديد بشأن عدد خطوط الأنابيب المقترحة لكل منهما. المشكلة دولية وتتفاقم وهناك أربعة مبادئ يستخدمها المجتمع الدولى لتهدئة النزاعات المائية هي: لكل دولة سيادة كاملة على مناطق منابع النهر الموجودة فيها. بين جميع دول الحوض يوجد دمج إقليمى كامل، والمقصود هنا أن يكون للدولة المنخفضة حقوق تاريخية لاستخدام المياه فى حين أن الدولة العليا التى ينبع منها معظم مياه النهر ولم تستخدمه فى الماضى، ليس لها حقوق تاريخية. كل دول الحوض يسمح لها باستغلال مياه الحوض. استقلالية الدولة تسمح لها بالاستخدام المحدود والمعقول لمياه النهر. رغم ذلك فإن هذه المباديء لم تمنع قيام الصراعات حول المياه ويستمر النزاع حولها. مشكلة يعانيها منها العالم كله، يهمنا منها الوضع فى الشرق الأوسط والدول العربية ولها حديث قادم. لمزيد من مقالات د. ليلى تكلا