يوم 15 يوليو الماضى، انتهى كرنفال كرة القدم الحقيقية فى الأرض، موسم كأس العالم انفضّ، لكن ما علينا «احنا مالنا؟!»، نحن صعدنا، وشاركنا، وعُدنا كما ذهبنا، ونحن أيضا لدينا فى الوقت نفسه موسم آخر مهم؛ موسم سنوى خلال شهرى يوليو وأغسطس كل عام، إنه الموسم الكبير لدعم الناشئين!. ..................... بعد عودة المنتخب المصرى لكرة القدم من بطولة كأس العالم صفر اليدين؛ تبارت التحليلات والتعليقات حول أسباب ما جرى، والمنظومة الكروية المهترئة، التى تُعد مثالا لمنظومات أخرى عديدة، لكن يبقى الأساس الواضح الذى ينبغى البناء عليه والانطلاق منه هو دعم الناشئين، فالناشئون هم القاعدة والبداية والأصل. وفى السطور التالية نستعرض بالوقائع والأرقام والتفاصيل كيف يجرى هذا الدعم على الأرض. فى شهر يوليو كل عام، تعلن الأندية عن مواعيد التقدم لاختبارات كرة القدم فى المراحل العمرية المختلفة، وبالطبع تداعب أحلام المجد والشهرة عقول الصغار، فيزحفون فى حشود، تقدر بالآلاف أو المئات، وفقا لجماهيرية كل نادٍ، ويشترى المتقدم استمارة الاختبار، التى تراوحت أسعارها هذا العام بين 20 و 40 جنيها، بعدما ارتفعت الأسعار بالطبع بالمقارنة بالعام الماضى، بل تضاعفت فى أحد الأندية الكبرى من 10 جنيهات إلى 30 جنيها. لا بأس، طالما أن الناشئ سيأخذ فرصته فى عرض موهبته وتقييمها. فى سبيل الحلم، لا بأس من إنفاق هذه المبالغ، التى قد تبدو بسيطة لدى البعض، لكنك إن قمت بجولة سريعة وسط حشود الصغار، الذين يقفون تحت أشعة الشمس ساعتين وأكثر، فى انتظار الاختبار؛ ستعرف وقتها قيمة هذه المبالغ بالنسبة لكثيرين منهم، خاصة ممن تكبدوا مشقة السفر مع ذويهم من البسطاء، قادمين من أعماق القرى والنجوع فى المحافظات، يحدوهم الأمل جميعا. وأخيرًا يحين موعد الاختبار، الذى تكون طبيعته واحدة فى كل الأندية تقريبًا، وهى إقامة مباراة مصغرة بين مجموعتين من اللاعبين؛ «تقسيمة خماسى» لمدة دقائق، وبعدها تحين لحظة الحقيقة! حين يفاجأ الصغار بأن الأمر قد انتهى، والحلم قد انكسر، بإشارة سريعة من المدرب الذى قد لا ينظر إلى الملعب سوى مرات معدودة، ويعود الصغار كما جاءوا، باستثناء عدد قليل من اللاعبين يتم إعلان نجاحهم، وتحديد موعد لهم للاختبار التالى، أما غير الناجحين فيُسمح لهم بالتقدم مرة أخرى، لكن باستمارة جديدة، و»فلوس» جديدة!. كل ما سبق قد يبدو لك طبيعيًا، فالتقييم حقٌ للمدربين، ونجاح كل هذه الآلاف أمرٌ مستحيل، لكن تعال لنرى ختام الحكاية، فبعد أن تنهى الأندية اختباراتها المكونة من ثلاث مراحل؛ يكون إجمالى الناجحين نحو 20 لاعبا فى كل مرحلة عمرية، ولكن إياك أن تظن أن هؤلاء قد أصبحوا أخيرًا لاعبين فى النادى، فالأمر ليس بسيطا على هذا النحو!. ما يحدث هو أن هؤلاء الناجحين - بالإضافة إلى أصحاب «الواسطة» الذين لم يدخلوا الاختبارات - يخوضون جميعا ما يسمى «فترة معايشة» فى النادى لمدة أسبوع على الأكثر، للاختيار منهم، وفى النهاية يتم توقيع عقد بين النادى و (بعض) هؤلاء اللاعبين للانضمام إلى الفريق. ولكن أتدرى كم عدد أفراد هذا (البعض)؟!. لاعب واحد فى المعتاد، وثلاثة لاعبين فى أقصى تقدير، ثم يتم توجيه الشكر للباقين. هذا العام؛ أعلن مسئول قطاع الناشئين بأحد أندية الشركات فى الدورى العام أن 12 ألفا خاضوا اختبارات الكرة لديه، بينما صرح آخر فى نادٍ إقليمى جماهيرى بأن الاختبارات حققت للنادى 150 ألف جنيه فى 18 يوما، وفى العام الماضى أعلن أحد أندية القمة مفتخرًا أن 22 ألفا خاضوا الاختبارات، وكان سعر الاستمارة عشرة جنيهات. هنيئًا للجميع، لكن هكذا تأتى محصلة هذه الاختبارات؛ ثلاثة لاعبين، غالبًا لن يلعبوا، فيهبط مستواهم أو يرحلوا، فى حين تنفق الأندية الملايين على شراء اللاعبين؛ الأجانب والمصريين، فهل الهدف حقًا هو دعم الأندية الناشئين؟!. أو لعل السؤال الأصح هو: من يدعم من؟!. يبقى هنا أن نشير إلى واقعة مهمة، ودالّة، وملهمة، هى واقعة ناشئ صغير اسمه يوسف أسامة، عمره 13 عاما، كان يلعب فى مركز شباب «نواج» بمحافظة الغربية، إلا أنه انضم خلال شهر أبريل الماضى إلى نادى «باريس سان جيرمان» الفرنسى، ليلعب فى الفريق الممثل لمرحلته العمرية فى النادى، ويبدأ رحلة احتراف منذ الصغر، والأمر المهم هنا هو ما صرح به والد اللاعب فى مداخلة هاتفية مع الإعلامى كريم حسن شحاتة قائلا إن «يوسف» لم يكن له نصيب فى الاختبارات سواء فى طنطا أو الأندية المصرية عموما، أى أن اللاعب الذى فشل فى اجتياز اختبارات الناشئين لدينا نجح فى الانضمام إلى أكبر أندية فرنسا؛ بطلة كأس العالم، فهل مازلنا فى حاجة إلى طرح السؤال: لماذا فشلنا فى المونديال؟!. أخيرا.. إن كنت ترى كل ما سبق عاديًا، طبيعيًا؛ انس الأمر تمامًا، كأنك لم تقرأ حرفًا، لكن يبقى أن تعرف - من داخل المنظومة نفسها - هاتين المعلومتين: المدربون فى الفرق الصغيرة ومراكز الشباب يقولون للاعبيهم: لا تهينوا أنفسكم بخوض اختبارات الأندية، هم سيطلبونكم عندما يشاهدونكم تلعبون فى فِرقكم!. وهذا لاعب ناشئ يلعب أساسيًا ويعد نجمًا فى الفريق الممثل لمرحلته العمرية فى أحد أندية القمة، شاهده زملاؤه يتقدم للاختبارات فى نادٍ أصغر، فتعجبوا، عندئذ قال لهم إن ناديه لا يقوم بتصعيد الناشئين إلى الفريق الأول، بل يتم تسريحهم عندما يكبرون، ليشترى لاعبين من أندية أخرى، والمثير أن اللاعب لم ينجح أيضا فى الاختبارات!. فهل تدعم الأندية حقًا قواعد الناشئين؟!. هل نحن جادُّون؟!.