ثمانية أشهر كان عقابها على صفع وركل جندى إسرائيلي.. كانت تلك لحظة تحدٍ لن تنساها الفتاة الفلسطينية المناضلة عهد التميمى حينما رأت الجنود الإسرائيليين وهم يطلقون الرصاص المطاطى على ابن عمومتها. ولو أن هذه اللحظة عادت من جديد لقامت عهد بما قامت به دون أن تبالى بسنوات السجن وقيوده إيمانًا منها بإعلاء قيمة الإنسان ورفع العلم الفلسطينى. التميمى أصبحت الآن إحدى أيقونات النضال الوطنى الفلسطينى الممتد ولم تمنعها طفولتها وبراءتها وجمالها من الدفاع عن حقوقها وحقوق كل فلسطينى يناضل من أجل القضية. « الأهرام» أجرت هذا الحوار بالهاتف مع عهد التميمى: فى البداية.. حدثينا كفتاة عمرها 17 سنة عن تجربة السجن وطفولتك المسروقة من قبل قوات الاحتلال؟ السجن تجربة من أصعب التجارب التى يمر بها أى إنسان، وقد تعرضت خلال أيام السجن للكثير من الانتهاكات لحقوق الأسرى، إضافة إلى خوفى من عدم قدرتى على استكمال تعليمى التوجيهى الثانوى فى ظل السياسة القمعية والتضييق الذى يمارسه الاحتلال على كل المعتقلين، إلا أننى استطعت أن أهزم خوفى وأصمد أمام المعوقات التى واجهتها إلى أن حصلت على شهادة «التوجيهى»، ورغم أن إدارة السجن كانت تقف أمامى أنا وزميلاتى المعتقلات فإننا رفعنا شعار التحدى ووقفنا ضد الظلم الذى تعرضنا له. وما أبرز الانتهاكات التى تعرضتِ لها داخل السجن؟ قائمة طويلة من الانتهاكات تعرضت لها منذ اللحظة الأولى للتحقيق، بداية من المجندة التى كانت ترافقنى حتى المحققين الذين قاموا بتهديدى باعتقال أشخاص من عائلتى لإجبارى على الاعتراف، والكلمات النابية التى كان يتلفظ بها المحققون أمامى، إضافة إلى أن وجود الأسرى داخل دولة الاحتلال هو انتهاك بحد ذاته لابد أن تعاقب عليه إسرائيل. وماذا عن موقف المحامية الخاصة بك.. وردها على تلك الانتهاكات؟ لم أخف على «غابى لاسكى» أى شىء مما حدث معى، بل كنت أسجل تلك التفاصيل غير القانونية التى تعرضت لها لحظة بلحظة لأطلعها على حجم الانتهاكات بحق الأطفال، والتى على أثرها استطاعت «غابى» أن ترفع دعوى على المحققين. كيف استطعت تخطى الصعوبات وحصلت على شهادة التوجيهى؟ حقًا كان من الصعب استكمال دراستى حيث كان الضغط كبيرًا جدًا علينا، ولكن رغم الصعوبات فإننى استطعت الصمود والتركيز على الحصول على شهادتى، ولهذا أعتبرها من أهم السنوات فى حياتى حيث إننى استطعت من خلالها إعادة اكتشاف «عهد» من جديد فقد كان الضغط كبيرًا والخوف أكبر من أن أفقد تلك السنة الدراسية، ليس هذا فحسب بل كان الوجع النفسى والإنسانى يسيطر علىّ فى بعض الأحيان حينما أتذكر زميلاتى وهن يذهبن للمدرسة ليتلقين دروسهن، فى الوقت الذى أحرم فيه كطفلة فلسطينية من أبسط حقوقى فى التعليم لأننى حبيسة جدران مظلمة مكبلة بالقيود الحديدية فى دعوى أدافع فيها عن حقى فى الأرض والوطن. وكيف حصلت على دورات حقوق الإنسان وحقوق الطفل فى ظل هذا التضييق؟ كنا نذهب للدورة لنصقل أنفسنا ونتعرف على ماهية الانتهاكات ونطلع على الاتفاقات الدولية الموقعة فيما يخص التعامل مع الأسرى وحقوق الطفل والتمييز العنصرى «الأبارتهايد»، ودرسنا اتفاقيات جنيف الأربع، وركزنا على اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية الأشخاص المدنيين التى تنطبق علينا، حيث كنا نضع المواد نصب أعيننا لنطبقها وإذا حدث أى انتهاك مباشر لأى مادة نشير لها على الفور، حيث أفادتنا تلك الدورات فى التعرف على العديد من الانتهاكات التى كنا نتعرض لها ولم نكن نعرفها. وكيف كانت عيون السجانين ترصد تلك الدورات؟ كانت النائبة خالدة جرار تقدم لنا تلك الدورات التى لم يكن مسموحًا بها من إدارة السجن، حيث كان التضييق علينا من كل الجوانب حتى لا نعرف حقوقنا، ولكننا كنا نتجمع تحت مظلة جلسات السمر العادية، رغم أنهم كانوا دائمًا ما يعلنون حالة الطوارئ ويحبسوننا داخل غرفنا لتظل أعيننا مغطاة عن الحقيقة، ولكن الإيمان بقضيتنا كان الدافع الأولى والرئيسى للتصدى لهم واستكمال ما بدأناه. وما خططك فى المستقبل؟ سأدرس القانون لأصبح محامية، ليكلل دورى النضالى بما ينبغى أن يكون. مسيرة طويلة نحو الحرية قضاها المحامى نيلسون مانديلا قادته لتولى رئاسة جنوب إفريقيا.. فهل يمكن أن يصل طموحك من المحاماة لتكونى أول رئيسة لفلسطين؟ لا أستطيع أن أتوقع المستقبل، إلا أن تركيز نشاطى الرئيسى الآن وما أضعه على عاتقى هو أن أكون ناشطة فى مجال حقوق الأسرى مدافعة عن كل ما يتعلق بالقضية الفلسطينية.