كانت نُكتة أو «قفشة» أو «قلشة»، ثم صارت حقيقة. لدينا 26 يوليو سنة 1952 و26 يوليو سنة 1956 و26 يوليو سنة 2013، ومع ذلك، تم هضم حق ذلك اليوم في المرّات الثلاث: حين تنازل فاروق عن العرش فعليًا، وصوريًا لابنه أحمد فؤاد. وحين تم تأميم الشركة العالمية لقناة السويس، لتصبح شركة مساهمة مصرية. وحين استجاب ملايين المصريين لطلب وزير الدفاع، القائد العام لقواتنا المسلحة، وملأوا ميادين وشوارع مصر، ليعطوه التفويض والأمر بأن يواجه العنف والإرهاب المحتمل. الشارع الذي كان معروفًا باسم «شارع بولاق» ثم «شارع فؤاد»، يبدأ من ميدان الخازندار وحديقة الأزبكية، ويمر على دار القضاء العالي، ف«الإسعاف»، فمسجد «أبو العلا»، فكوبري 15 مايو، ثم حي الزمالك مارًا بنادي ضباط الجيش، ثم كوبري 15 مايو، مرة أخرى، ليخترق حي المهندسين عن طريق محور 26 يوليو ويمتد حتى مدينة 6 أكتوبر. ويمكنك أن تمزج الأسماء والأماكن والأزمنة، للخروج بدلالات أو توليد معانٍ. لكن هذا ما لن أفعله، مكتفيًا بعد تجاهل 15 مايو، اليوم والكوبري، بالمراحل التي لضَمَها اليوم، يوم 26 يوليو، والتي شقَّ خلالها المصريون شارعًا طويلًا، حاولوا فيه تغيير واقعهم، لتصبح مصر دولة قوية. بعرَقهم، بصبرهم، وبتحملِّهم، شق المصريون شارعًا طويلًا وممتدًا، يبدأ من انتزاع السلطة من المستعمر وإنهاء وجوده العسكري على التراب الوطني. ومقاومة سياسة الأحلاف والتكتلات الاستعمارية، وإنهاء سيطرة المستعمر على الاقتصاد، بدءًا ب «تأميم» قناة السويس، ف«تمصير» الشركات والأصول الأجنبية، ف«تأميم» بنك الإصدار (البنك الأهلي) وبنك مصر؛ لتوجيه رأس المال المحلى ضمن برنامج وطني للتصنيع. ثم «تأميم» وأحيانًا مصادرة أسهم ورءوس أموال لتصبح كل البنوك وشركات التأمين والهياكل الرئيسية للإنتاج والصناعات الثقيلة والمتوسطة والتعدينية وكل الاستيراد وثلاثة أرباع التصدير في يد الدولة، بما يعنى ذهاب رأس المال، النقدي والتجاري والصناعي، إلى الدولة، أي التحول إلى حالة «رأسمالية الدولة الوطنية». بعد تجاهل أو إسقاط «15 مايو»، اليوم والكوبري، بما تلا اليوم من أحداث وما تاه بعد الكوبري، في زحام الطرق المتقاطعة، وبعد تجاوز يوم 25 يناير 2011 بما سبقه من كوارث وما لحق به من أخطاء تم تداركها في 30 يونيو و3 يوليو 2013. بعد كل ذلك، جاء هذا اليوم، يوم 26 يوليو 2013 الذي كانت فيه مصر كلها، إلا قليلًا، في الشارع، في مشهد مهيب، كان حاضرًا، بكل تأكيد، في ذهن الرئيس عبدالفتاح السيسي وهو يقول لنا، منذ أيام: «أنا مسنود بيكم». هذا السند، هو ما كان يراهن عليه ويطلبه حين كان وزيرًا للدفاع، قائدًا عامًا لقواتنا المسلحة، في الخطاب الذي ألقاه يوم 24 يوليو 2013، والذي فهمنا منه، أن مجلس الدفاع الوطني اتخذ، بالإجماع وبموافقة رئيس الجمهورية «المؤقت»، قرارًا مشروطًا ب«الحرب على الإرهاب»، وأن الشرط كان صدور تفويض من مصدر السلطات: من الشعب. وسبب طرح ذلك الشرط، عرفناه من فيديو تم تسجيله في فبراير 2013 وأسعدتنا قنوات تليفزيونية لقيطة، ك«الجزيرة» وأخواتها، بعرضه في فبراير 2014، وفيه رأينا وسمعنا عبدالفتاح السيسي يقول: «دورنا مش مجابهة الناس اللي هنا. ليه؟ الجيش آلة إيه؟ آلة قتل. مش آلة قبض، إحنا ما نعرفش نقبض. أنا مش مهمتي مجابهة ومكافحة إرهاب». ولم يكن ما طرحه السيسي، في ذلك الفيديو، غير إجابة بأثر رجعى، عن سؤال «الحافظين اللي مش فاهمين»، طرحوه بحسن أو بسوء نية: «وما حاجة الجيش إلى التفويض حتى يقوم بواجبه؟!». إجابة شافية ووافية، لكنها تحصيل حاصل، فالثابت والبديهي هو أن الجيش ليس من بين مسئولياته تطبيق القانون أو الحفاظ على الأمن الداخلي، وأن تلك هي مسئولية وزارة الداخلية. وفي حالة وجود تهديد من عدو خارجي (أو تابعين له في الداخل) فإن الجيش يحتاج قبل تحريك قواته أو القيام بعملية عسكرية، إلى قرار من رئيس الجمهورية يوافق عليه مجلس الدفاع الوطني ثم البرلمان. وفي ظل عدم وجود برلمان أو وكلاء عن الشعب، اضطر وزير الدفاع، القائد العام للقوات المسلحة، إلى طلب التفويض أو «الأمر» من الشعب، الذي تقول كل دساتير العالم، إنه مصدر السلطات. هكذا، أعطيناه التفويض وكلفناه بمواجهة العنف أو «الإرهاب المحتمل»، بصفته وبشخصه، الذي حل في نفوس المصريين محل أنفاسهم، منذ راهنوا عليه لتخليصهم من إرهابيين تمكنوا، في سياق غامض من اختطاف السلطة، وكسبوا الرهان. ومنذ ذلك اليوم، و«التفويض» معه. منذ ذلك اليوم، منذ 26 يوليو 2013، ونحن في «حالة حرب». وفي الحرب، علينا أن نتجاهل كل الأسئلة وكل الضغوط، إلا سؤال الوطن وضغط الواجب. في الحرب، علينا أن نطلق الرصاص ومن كتبت «السماء» عليه أن يتلقاه، يتلقاه. في الحرب، من ليس معنا فهو ضدنا، أي عدو. أما زلت تسأل: «26 يوليو» سنة كام؟!. في الحقيقة، لا في النُكتة أو «القفشة» أو «القلشة»، وطوال «شارع 26 يوليو» الممتد من سنة 1952 حتى هذه اللحظة، ظلّ شعب مصر، هو سند مصر، الذي يحميها ويحافظ عليها، ويرفع شأنها. ظلّ شعب مصر هو «سند وطنه وسند أمته العربية في الحق والسلام والبناء والتعمير لا في الهدم والتخريب والتآمر» لمزيد من مقالات ◀ ماجد حبته