حفلت ثورة يوليو 1952 بدراسات عديدة لمجموعة من الباحثين حول الأسباب والمقدمات، وذلك أمر طبيعي، حيث إن كل ثورة تقتضى البحث فى أسبابها وبواعثها. والكتاب الذى بين أيدينا للكاتب عبد الرحمن الرافعى مؤرخ الحركة الوطنية - يرصد بعمق وتأمل - مقدمات ثورة 23 يوليو 1952 ويرجع تلك المقدمات إلى سيرة الملك فاروق فى الحكم. فإن حكمه كان هو التمهيد للثورة، بينما ترجع أسباب الثورة إلى أبعد من ذلك حيث تمتد تلك الأسباب إلى بدء الاحتلال البريطانى لمصر عام 1882م، إذ إن ثورة يوليو- قبل كل شيء - هى ثورة على الاحتلال والاستعمار. ثم إن ترادف الحوادث منذ إلغاء معاهدة 1936، يوم 8 أكتوبر 1951، كان يتطور نحو الثورة وكان هذا الإلغاء بداية مرحلة جديدة من كفاح الشعب ضد الاحتلال البريطاني. كانت الأحداث التى تعاقبت على مصر بعد الإلغاء تتدرج وتتدافع يوما بعد يوم نحو الثورة، وقد رصدها مؤرخنا الوطنى فى الفصول الثلاثة الأولى من كتابه، حيثِ تناول فى الفصل الأول إلغاء معاهدة 36 وتوابعه، والكفاح فى القنال، وكانت الفرصة سانحة لتوحيد الصفوف وجمع الكلمة، وكان لكتائب الفدائيين التى تكونت فى القاهرة وفى منطقة القناة عمل إيجابى فى تنظيم حركة الكفاح وبث روح المقاومة فى نفوس المواطنين. وقد بدأت المظاهرات العدائية ضد الملك فاروق تسير فى الشوارع عقب نحو شهرين من إلغاء المعاهدة، وكانت ظاهرة جديدة،وتعددت هذه المظاهرات فى القاهرة والإسكندرية ثم امتدت إلى عواصم المديريات وقامت إبان ذلك معارك ضد الإنجليز فى الإسماعيلية وبور سعيد والسويس وأبى صوير وكفر عبده والتل الكبير وسقط عدد من الشهداء من البوليس ومن المدنيين برصاص القوات البريطانية . ويتناول الفصل الثانى حريق القاهرة يوم 26 يناير 1952، وإعلان الأحكام العرفية مساء ذلك اليوم وتعيين مصطفى النحاس رئيس الوزراء حاكما عسكريا عاما ثم إقالته فى اليوم التالى من الملك فاروق وإعفاء وزارة الوفد من المسئولية. ومنذ ذلك اليوم تعاقبت على البلاد وزارات من المستقلين الذين كانوا من كبار الموظفين وليسوا من رجال السياسة كما يقول الرافعى فى الفصل الثالث، وهى وزارات على ماهر وأحمد نجيب الهلالى وحسين سرى ثم الهلالى مرة أخرى الذى أطاحت بوزارة ثورة الجيش فى 23 يوليو 1952. وقد جاء البيان الأول للثورة موجزا كأنه خطة حربية، حيث استيقظ المواطنون صبيحة الأربعاء 23 يوليو فوجدوا أن الثورة قد قامت، واستمعوا إلى صوت اللواء محمد نجيب من محطة الإذاعة يعلق بإيجاز تلك الثورة - التى شرحها الفصل الرابع - ثم يطرح فى بيان آخر فى اليوم التالى أسباب تلك الثورة وهى فساد نظام الجيش ومرافق البلاد، وفى ذلك يقول الرافعى إن هذه الثورة لا تختلف عن الحركات الشعبية التى سبقتها إلا فى أنهم جعلوا قوة الجيش أداة العمل والتنفيذ، ولولاها لانتهت بالنكسة والإخفاق. ويقول إن أهم أسباب تلك الثورة سياسيا هو السخط من رؤية الاحتلال البريطانى جاثما على أرض الوطن ، ثم مساوئ حكم فاروق - الذى مهد مع من سبقوه من خلفاء محمد على وإبراهيم فى الحكم - للتدخل الأجنبى فى شئون مصر وسيطرة الاحتلال على الجيش، فضلا عن تخلف البلاد اقتصاديا تحت النفوذ الأجنبي، وفقدان العدالة الاجتماعية بين طبقات الشعب، وسوء توزيع ملكية الأراضى الزراعية. أما الفصل الخامس والأخير أفرده مؤرخنا لتصرفات الملك فاروق الذى انتهزت بريطانيا مولده فرصة للتدخل فى تقرير وراثة العرش حيث سبقت فأعلنت ولايته للعهد قبل والده الملك فؤاد، مما دعا الحزب الوطنى إلى الاحتجاج على هذا التدخل، ثم المناداة به ملكا بعد وفاة والده، حيث استقبله الشعب عند وصوله من انجلترا بابتهاج وتفاؤل، لكن الشعب صدم فيه بعدما سمعه عن فساده وعلاقاته الغرامية التى أدت إلى طلاق زوجته الأولى الملكة فريدة، ثم زواجه الثانى الذى أشبه بعملية اختطاف فتاة من خطيبها، ثم جنوحه إلى الحكم المطلق مخالفة للدستور، وذلك ما دفع الشعب والجيش دفعا إلى الثورة التى أطاحت به وبعرشه وأسرته.