أجريت لطفل يبلغ الثالثة من عمره جراحة لاستعدال اعوجاج بساقيه، فلما جاءنى بعد أسبوعين فى العيادة مع والديه للمتابعة، أخبرانى أن تغييراً قد طرأ على سلوكه منذ الجراحة، حيث توقف عن الكلام، وكان يتكلم بطلاقة قبل العملية، ويمضى وقته واجماً شارداً ساهماً لا يلوى على شىء، ولا يبدى اهتماماً ولا استجابة لما حوله، ولقد جلت ببصرى بين الطفل الجالس أمامى وساقاه فى الجبس حتى فوق الركبتين، ووالديه، ثم سألتهما: هل أطلعتماه قبيل الجراحة بحقيقتها، وبأنه ذاهب إلى المستشفى ليخضع لعملية استعدال لساقيه المعوجتين، وبعدها سيكون فى الجبس لمدة شهرين على الأقل؟، فابتسما وأجابا بالنفي، وقالا إنهما لم يصرحا له بشىء مما ينتظره، حتى إنه حين حضر الممرضون لاصطحابه لحجرة العمليات، قالا له «يا حبيبى روح معاهم عشان هتتصور»!. ورأيى أن الطفل حين أفاق من التخدير، ووجد نفسه أسير الجبس فى الساقين لا يقدر على الحركة قد غُرر به وخُدع، أصابته حالة نفسية انعكست فى حاله تلك التى شكى منها والداه، وكان الأحرى بهما ألا يكذبا عليه فى المقام الأول، وأن يصارحاه بأنه ذاهب للمستشفى لإجراء جراحة لاستعدال ساقيه، وسيظل فى الجبس شهرين حتى التئام عظامه، إذ كان الطفل عندئذ سيتقبل واقعه، ويتفهم الأمر، ولا يفاجأ بما حدث له.. إن هذا يحدث فى الخارج، حيث يتعامل الأهل مع أطفالهم باحترام، ولا يكذبون عليهم ويشرحون لهم كل ما سيخوضونه من إجراءات علاجية، كما أن مثل هذا الكذب على الطفل ولو مرة واحدة، كفيل بألا يثق بعد ذلك فى جدية أو صدق ما سيقوله له أبواه مستقبلاً فى أى شأن. د. يحيى نور الدين طراف