هناك خيط رفيع بين الفن والتصوف..بقدر ما يحلق الفنان بخياله بقدر ما يصل إلي الكثير من حقائق الكون..وبقدر ما يستغرق الصوفي في تأملاته بقدر ما يصل إلي آفاق المعرفة بالخالق سبحانه وتعالي..وكثيرا ما يلتقي خيال الفنان و تأملات الصوفي بل إنهما احيانا يتجمعان في شخص واحد كما حدث مع عدد من الشعراء والمفكرين.. في تاريخنا العربي نتوقف عند عشرات الشعراء الذين طافوا في رحاب الصوفية مثل ابن عربي وابن الفارض والحلاج ونجد من اصحاب الفكر والصوفية الإمام الغزالي وعند الغرب نجد جيته ودانتي وفي الشرق نجد طاغور ومحمد إقبال وعمر الخيام.. كثيرا ما كنا نجلس معا محمد عبد الوهاب ومصطفي محمود وانا كنت اشعر دائما ان في شخصية عبد الوهاب بعدا صوفيا واضحا وربما كان لنشأته الدينية في مسجد الشعراني اثر في تكوينه..ورغم ان الأعمال الدينية في تاريخه الفني قليلة إلا انه كان يعتقد ان الحب شيء من التصوف وان الصوفي عاشق كبير..وكان مصطفي محمود يجمع العلم مع التصوف ولهذا كان برنامجه الشهير العلم والإيمان رحلة تطبيقية في إبداع الخالق سبحانه وتعالي.. كنت أزوره في مسجده بالمهندسين وهو يجلس امام تيلسكوب حديث يشاهد رحلة النجوم والكواكب ومعها رحلة الإنسان وما أشبه الإنسان بالنجوم فكل رحلة سفر مكتوبة قدرها الخالق سبحانه وتعالي وحدد مواقيتها واسفارها ونهايتها.. إنه علي كل شيء قادر..وفي أحيان كثيرة تصل حالة الإبداع عند الفنان إلي منطقة مجهولة تماما مثل البحار الذي لا يعرف كيف غاص في اعماق البحر ومن اين جاءته اللآلئ..في بعض الأحيان يتساءل الفنان عن معني أو فكرة أو كلمة أو بيت من الشعر ويتعجب مع نفسه كيف جاءه هذا الخاطر..هذه المنطقة التي قد يصل إليها الفنان وهو لايعلم تدخل في مناطق الصوفية حين يتحول الخيال إلي حقيقة ويذوب الإنسان في الكون وتتداخل الأرواح في الأشياء وهنا وبعد رحلة من البحث والتساؤل يتوقف الإنسان عند منطقة لا يستطيع ان يتجاوزها وهو يسمع قول الخالق سبحانه وتعالي: قل الروح من أمر ربي. [email protected] المزيد من أعمدة فاروق جويدة