كانت الساعة تشير إلي العاشرة مساء عندما كانت فتاتان يافعتان تجريان حول قصر القبة وتمارسان حق الحياة والاستمتاع بها.. لم تبال الفتاتان بفوضي ولا بلطجة ولا بمعاكسات تملأ البلد تحت سمع وبصر مسئولينا دون أن يطرف لهم جفن أو يستيقظ لهم ضمير. بلغ بي التأثر مبلغه من هذا الموقف, وتساءلت في نفسي: يا إلهي.. أليس من حق أبناء هذا البلد أن يستمتعوا بهذه الحياة, كما يستمتع بها أقرانهم في أي بلد محترم, أم أنه صار قدرا علي المصريين أن يحيوا هذه الحياة التعيسة بكل ما فيها من فوضي وزحام, وما أدراكم حين تجتمع الفوضي والزحام؟! المصريون ذاقوا ولايزالون الفوضي والهوان والعيشة غير الآدمية في كل نواحي الحياة وسائل المواصلات علي سبيل المثال, برغم أنهم أبناء أول مجتمع عرفته البشرية, ونحن نعول علي جهاز شرطة قادر علي تطبيق القانون علي القوي قبل الضعيف, ولكن كيف السبيل إلي ذلك وبعض رجال الشرطة يحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا, برغم أنهم أكثر من استفاد من ثورة شهدائنا الأبرار, فارتفعت رواتبهم وحددت ساعات عملهم ب8 ساعات بعد أن كانت تصل إلي81 ساعة عمل متواصل! وليقل لنا مسئولونا الأمنيون ماذا يريدون حتي يعودوا إلي مهامهم التي كانوا عليها, وما هي مطالبهم بالتحديد؟ أما أن يبقي الشارع سداحا مداحا, فهذا ما لا يرتضيه إنسان, وجريمة لا تغتفر. نعلم أن مصر محروسة بشعبها الطيب المتدين, وإلا لرأينا الدماء أنهارا وسط هذا الغياب الأمني المخجل. الدولة الرخوة الضعيفة في هذه اللحظة المصيرية فتنة لن ينجو منها أحد, لذا فالقسوة مطلوبة الآن ليزدجر كل من تسول له نفسه الفساد في الأرض والسعي في خرابها.. إرادتان تتصارعان الآن في مصر: إرادة الهدم وإسقاط الدولة الأقدم في العالم, وإرادة البناء وإثبات الكيان, وستنتصر إرادة البناء. المزيد من مقالات محمود القيعى