► د. مختار مرزوق: التباهى بالعبادات يحبط العمل وصور الطعام تكسر قلوب الفقراء هل صمت وصليت وزكيت وتصدقت على المحتاجين وأطعمت الفقراء والمساكين فى رمضان؟ دون أن تتباهى أو تتفاخر بذلك؟ أم أنك تفاخرت وتباهيت كما فعل البعض على وسائل التواصل الاجتماعى التى حفلت بملايين من صور «السيلفي» للمعتمرين والمتصدقين من الأفراد والجمعيات الخيرية، وكنت من هؤلاء الذين تباهوا بأداء العبادات وصلاة التراويح، والتقطوا الصور بملابس الإحرام عند الكعبة المشرفة؟!. إنها صور وتجليات ظاهرة التدين الشكلى فى مجتمعاتنا التى باتت واحدة من أكثر الأشياء دلالة على انتشار مفهوم التدين المظهرى والذى أصبح السمة الغالبة عند عامة الناس. فهل ما نراه علامة على التدين؟ أم هو تدين مظهرى طالما لا يواكبه سمو فى الأخلاق؟! علماء الدين يؤكدون أنها مظاهر شكلية بعيدة عن جوهر العقيدة وتمسك بقشور الدين، فى ظل تراجع ملحوظ لقيم دينية أصيلة فى المعاملات والأخلاق والانضباط والعمل والإنتاج، موضحين أن أفضل العبادات هى ما توخى العابد فيها سترها عن غيره، ولم يراء الناس بها، وأن نشر صور موائد الطعام والحفلات الفاخرة يلهب بطون الفقراء ويكسر قلوبهم ويشعرهم بالضعف، وكل هذا يعد من المفاخرة والمباهاة التى قد تؤول إلى الرياء المنهى عنه شرعا. لا للتفاخر ويقول الدكتور مختار مرزوق عبدالرحيم، عميد أصول الدين السابق بأسيوط، إن الله سبحانه وتعالى حرم على الإنسان أن يفتخر بما لديه من نعم، فعلى كل من يفخرون بأنواع الأطعمة التى يأكلونها أن يتقوا الله عز وجل، وألا ينشروا تلك الصور، فقد قال الفقهاء قديما، (إن من مسقطات المروءة أن يأكل الإنسان فى الطرق أمام الناس) فما بالك بمن يأكل أمام العالم كله، حينما ينشر صوره على الفيس وهو يأكل أطايب الطعام، فإذا كان الأول قد فقد جزءا من المروءة لأنه أكل أمام الناس فى الطرقات، فإن من ينشر صوره على «الفيس» بهذه الصورة وأمامه الطعام فلا مروءة له بالمرة، ونحن نهيب بإخواننا أصحاب الأموال أن يقتدوا بسنة النبي، صلى الله عليه وسلم فى الطعام، فقد جاء فى هديه صلى الله عليه وسلم: » من كان معه فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له ومن كان له فضل زاد فليعد به على من لا زاد له«، وهو منهج لو أننا أخذنا به كله فى العطاء والستر لسادت المحبة بيننا. وأضاف: إن ما شاع فى شهر رمضان الماضى من التباهى والتفاخر بإطعام الصائمين فى الجرائد وعلى مواقع التواصل الاجتماعى وما إلى ذلك من الأعمال التى لا ترضى الله عز وجل بل انه يدخل فى الرياء الذى جعله القرآن الكريم من صفات المنافقين، قال تعالي: «إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلا قَلِيلا»، كما أنه من الكبائر المتفق عليها فقد قال الله تعالي: «فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ، الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاتِهِمْ سَاهُونَ، الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ، وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ»، وإذا نظرنا إلى سنة النبي، صلى الله عليه وسلم، نجد انه حذرنا من مثل هذه الأعمال التى فيها التباهى والتفاخر، فقد روى عن أبى سعيد الخدري، رضى الله عنه، أنه قال: «خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ نَتَذَاكَرُ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ فَقَالَ أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِمَا هُوَ أَخْوَفُ عَلَيْكُمْ عِنْدِى مِنْ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ قَالَ قُلْنَا بَلَى فَقَالَ الشِّرْكُ الْخَفِيُّ أَنْ يَقُومَ الرَّجُلُ يُصَلِّى فَيُزَيِّنُ صَلَاتَهُ لِمَا يَرَى مِنْ نَظَرِ رَجُلٍ». رواه ابن ماجة، وهذا الأمر الذى حذر منه النبى صلى الله عليه وسلم ينطبق على أصحاب الموائد الذين يجهرون بإطعامهم للفقراء بل إن بعض الجمعيات الخيرية تفعل ما هو أسوأ من ذلك وهو أنهم يصورون الفقراء وهم يأخذون الكراتين ويضعون هذه الصور على مواقع التواصل الاجتماعى وهنا يكون الإنسان قد جمع بين كبيرتين الأولى هى الرياء والثانية أنه فضح هؤلاء الفقراء المساكين. ويجب أن نذكر إخواننا المحسنين بما كان يفعله الصالحون من عباد الله من إخفاء أعمالهم وبخاصة الصدقات فقد كان بعضهم يلقى المال على باب بيت الفقير حتى يجد الفقير المال ولا يعرف من وضع له هذا المال، وكان بعضهم يحتال إلى إعطاء الفقير على غير يده حتى لا يعلم الفقير من صاحب المال. ويجب أن نأخذ من هذه النماذج الطاهرة والعطرة من تاريخنا ما يقوم به الناس الآن من التباهى والتفاخر بإطعام الفقراء وهم يأخذون المال فهذا عمل يخالف سنة النبى صلى الله عليه وسلم. إخلاص النية فى سياق متصل يقول الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، إن ركن صحة وقبول الأعمال الصالحة إخلاص النية لله تعالي، والأصل فى إطعام الطعام أن يكون قربة إلى الله تعالى بعيدا عن الرياء والتفاخر والإكثار لقوله تعالي:«يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا. وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا. إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا». وفى حياة آل البيت والصحابة والأولياء رضى الله عنهم كانوا يحبون إطعام الطعام سر، فمن ذلك أن الإمام على بن الحسين الملقب بزين العابدين رضى الله عنه كان يحمل جراب الدقيق والخبز على ظهره فى جنح الليل لذوى الحاجات ولما مات وجدوا خطوطا سوداء فى جلد ظهره من أثر حمله هذا الطعام، وفى ليلة وفاته قال الفقراء لم نعرف من كان يحمل إلينا الغذاء إلا بموت الإمام على زين العابدين رضى الله عنه. أما النفاق والرياء وإعلان هذا بأى صورة من صور الإعلان التى تحدث الآن فهذا إن لم يحبط عمل الصدقة فعلى الأقل يمحو الثواب قال تعالي: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِى يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِى الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ». التدين الحقيقي وعن أسباب شيوع مظاهر التدين الشكلى فى المجتمع وغياب الجوهر الحقيقى للدين يقول الشيخ محمود عاشور، وكيل الأزهر الأسبق: إن هناك الكثير من العوامل التى وفدت على مجتمعاتنا مع انتشار القنوات الفضائية ووسائل الاتصال الحديثة التى تنشر السموم والخطايا والقيم المادية وتؤثر على عقول الشباب وسلوكياتهم وأفكارهم فتبعدهم عن القيم الروحية وعن الدين الذى هو علاج لكل الأمراض الاجتماعية. ورغم بروز موجة التدين بين الناس إلا أنه تدين شكلى فتراهم يغشون ويختلسون ويكذبون، فالتدين الحقيقى ليس جلبابا قصيرا وسواكا ولحية, فهناك كثيرون مظهرهم إسلامى ولكن مخبرهم غير إسلامى والرسول صلى الله عليه وسلم يقول الإيمان حسن الخلق ولعن الله الراشى والمرتشى ويقول أيضا: «إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم» وقد نبهنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن الدين ليس شكلا وإنما قلب يعى ويلبى ويراقب الله فى كل شأن, ولذلك أيضا قال النبى صلى الله عليه وسلم: «الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك», ونحن بحاجة جميعا إلى فهم المقاصد الشرعية وإعادة تقييم حياتنا وفقا لمنهج الإسلام فالإيمان كما قال رسولنا الكريم هو ما وقر فى القلب وصدقه العمل.