تحفل صفحات التواصل الاجتماعي بالملايين من صور «السيلفي» للأصدقاء والأسر والأبناء والمصطافين ورواد الأندية والحفلات والأماكن العامة، فها هو معتمر يصور نفسه وهو يرتدي ملابس الإحرام أو وهو يؤدي منسكا من المناسك أو يحمل لافتة مكتوبا عليها دعاء لبلده وفي خلفية الصورة الكعبة المشرفة، وآخر يقوم بتصوير مائدة طعامه الحافلة بما لذ وطاب من أنواع الطعام والشراب، وثالث يضع صورة زوجته وأولاده على شبكات التواصل. وعلى الرغم مما تجسده تلك الصور من متعة للاحتفاظ باللحظات والذكريات الجميلة والمشاهد المختلفة أو لمجرد الحصول على إعجاب الأصدقاء بصفحات التواصل الاجتماعي، فإنها فى كثير من الأحيان قد تتحول إلى نقمة بسبب ما تتضمنه من مباهاة وتفاخر وإثارة لمشاعر غير القادرين. علماء الدين يؤكدون أن أفضل العبادات هى ما توخى العابد فيها سترها عن غيره، ولم يراء الناس بها، وأن نشر صور موائد الطعام والحفلات الفاخرة يلهب بطون الفقراء ويكسر قلوبهم ويشعرهم بالضعف، وكل هذا يعد من المفاخرة والمباهاة التى قد تؤول إلى الرياء المنهى عنه شرعا. وأوضح العلماء أن هذا الافتخار على الملأ مكروه، فربما يتباهى من لديه مال وولد أمام إنسان حرمه الله من المال والبنين، فهذا يسبب له جرحا عميقا، ولنا عبرة فى سورة الكهف، فكل هذه الأمور تذهب النعم، والعبادات تتحول إلى رياء لمجرد أن صاحب الصورة يرائى بها الناس. الرياء يضيع الثواب ويقول الدكتور عبد الفتاح إدريس، أستاذ الفقه المقارن، إن كثيرا من المسلمين يعانون الفقر والعوز والحاجة، سواء فى مصر أو غيرها من البلاد، وحولنا بلاد نكب أهلها فى أمنهم واستقرارهم وأوطانهم، ومن يقوم بتصوير مائدة طعامه الحافلة بما لذ وطاب من أنواع الطعام والشراب، ثم يعرضها على مواقع التواصل الاجتماعى لكى يلهب بمظهرها بطون فقراء العالم الإسلامى وغيره، فإن ذلك كسر لقلوب الفقراء، وفيه إشعارهم بالحسرة والكآبة والضعة، ولم يأمر الإسلام بذلك كله، بل إنه أمر بالتكافل الاجتماعى بين المسلمين وغير المسلمين، قال النبي، صلى الله عليه وسلم، (والله لا يؤمن) وكررها ثلاثا، من بات شبعان وجاره جائع، ولم يحدد فى هذا الحديث أن يكون هذا الجار مسلما أم غير مسلم، وليس من الإسلام فى شيء عرض موائد الطعام الحافلة بما لذ وطاب على مواقع التواصل وغيرها ليراها الفقراء والمساكين والمحتاجون وغيرهم ممن لا يجدون أقواتهم، فإن هذا كله منهى عنه شرعا وليس من أخلاق الإسلام أو المسلمين، وصانع هذه الصور آثم، والإثم يستوجب عقوبة من وقع فيه. «سيلفي» الصلاة والعمرة وحول مشروعية التقاط صور السيلفى فى اثناء الصلاة بأحد المساجد الكبرى أو فى أثناء أداء مناسك الحج والعمرة، يؤكد الدكتور عبدالفتاح إدريس، أن الحج والعمرة عبادتان شأنهما شأن سائر العبادات, والعبادات التى يؤديها المكلف هى شكر منه لله تعالى على ما أنعم به عليه, وأفضل العبادات وأكثرها ثوابا, هى ما توخى العابد فيها سترها عن غيره, ولم يراء الناس بها, فقد ورد فى الخبر: «إن الله فضل عمل السر على عمل الجهر بسبعين ضعفا» ولذا فإن الذى يؤدى أى عبادة يرائى الناس بها بأى وجه من وجوه المراءاة, فقد أتى نوعا من أنواع الشرك بالله, ومن أتى نوعا من أنواع الشرك فى عبادته فلن تقبل منه, وقد توعد الله تعالى الذين يراؤون بعباداتهم له, فقال سبحانه: (فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ), ووصف الله تعالى المنافقين بأنهم يراؤون الناس بعبادتهم, فقال سبحانه: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً), ولذا اعتبر الشارع أن الذى يخفى صدقته حين التصدق بها ولا يرائى الناس بها, من الذين يظلهم بعرشه يوم القيامة, ومن ثم فإن أداء النسك حجا أو عمرة, ينبغى أن لا يسبقه ممن نواه إعلان ودعاية, ولا أن يفاخر بخروجه لذلك, وألا يتحدث إلى الناس بأنه حج أو اعتمر عدة مرات, وينسلك فى سلك المراءاة من يصور نفسه (سيلفي) وفى خلفية الصورة موضع من مواضع النسك, أو يصور نفسه أو يطلب من غيره التقاط صورة له وهو فى موضع نسك, أو وهو يرتدى ملابس الإحرام, أو نحو ذلك, فإن ذلك من المراءاة. لا للتفاخر ويقول الدكتور مختار مرزوق عبدالرحيم، عميد أصول الدين بأسيوط السابق، إن الله سبحانه وتعالى حرم على الإنسان أن يفتخر بما لديه ولا ننسى قول الله تعالي: (إن الله لا يحب كل مختال فخور)، فعلى كل من يفخرون بأنواع الأطعمة التى يأكلونها أن يتقوا الله عز وجل، وألا ينشروا تلك الصور، فقد قال الفقهاء قديما، (إن من مسقطات المروءة أن يأكل الإنسان فى الطرق أمام الناس) فما بالك بمن يأكل أمام العالم كله، حينما ينشر صوره على الفيس وهو يأكل أطايب الطعام، فإذا كان الأول قد فقد جزءا من المروءة لأنه أكل أمام الناس فى الطرقات، فإن من ينشر صوره على «الفيس» بهذه الصورة وأمامه الطعام فلا مروءة له بالمرة، ونحن نهيب بإخواننا أصحاب الأموال أن يقتدوا بسنة النبي، صلى الله عليه وسلم فى الطعام، فقد جاء فى هديه صلى الله عليه وسلم، أن من كان له فضل طعام فليجد به على جاره، ومن لم يكن له فضل، فإن عليه أن يستر على نفسه، مادام لا يستطيع أن يجود عليهم منها، هذه سنة النبي، صلى الله عليه وسلم فى مراعاة شعور الغير، وهو منهج لو أننا أخذنا به كله فى العطاء والستر لسادت المحبة بيننا. وأضاف: أن تصوير الزوجة فى المصايف قد يترتب عليه أضرار كأن يتعرض الشخص لسرقة تليفونه أو فقده فى مكان عام، وهو ما يسبب انتشار الصورة بعد وقوعها فى ايدى آخرين يمكنهم استغلال الصورة فى مزيد من الشرور والمفاسد.